للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في الذمة لا يزول إلا بالأداء، لا يزول ببطلان محله، بخلاف صفات الأعيان فإنها تزول ببطلان محلها، فإذا كان قصد اليمين يمنع وجوب ما يجب في الذمة فَلَأَن يمنع الوقوعَ خارجَ الذمة بطريق الأولى والأحرى.

الوجه الثالث (١): أَنْ يقال: هَبْ أنه سُلِّمَ لك كون الكفارة مع الالتزام وسقوطها مع عدم الالتزام؛ فأين الدليل الشرعي الدال على أَنَّ هذا الوصف مؤثِّرٌ في الشرع، هو الذي عَلَّقَ الشارعُ به الحكم؟ ومعلومٌ أنه ليس لأحدٍ أَنْ يُعَلِّق الأحكام الشرعية بما شاء من الصفات، فإنَّ هذا ابتداءُ شرعٍ من تلقاء نفسه، يَدْخُلُ به صاحبه في معنى الذين قيل فيهم: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ [٢٢٣/ أ] الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: ٢١]، وفي معنى الذين ذمهم بقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: ٥٩]، وقوله تعالى: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} [الأنعام: ١٥٠] وأمثال ذلك مما ذم الله به من يحلل ويحرم ويشرِّع بلا كتاب منزل من الله.

الوجه الرابع: أَنْ يقال: المعنى المؤثر في سقوط اللزوم ووجوب الكفارة في نذر اللجاج والغضب إنما هو كونه يمينًا؛ كما نَصَّ على ذلك الأئمة والعلماء القائلون بهذا القول، كالشافعي وأحمد وغيرهما، وكما نص عليه الصحابة والتابعون القائلون بذلك، وهذا الوصف هو المؤثر في الكتاب والسُنة، فإنَّ الله ــ عز وجل ــ جَعَلَ في الأيمان كفارة يمين، ولم


(١) في الأصل: (السادس) والذي بعده (الوجه السابع)، ولم يتقدم سوى الوجه الأول والثاني، ولعل هذا بسبب تداخل الأوجه الخمسة التي ذكرها في الوجه الثاني (ص ٧٨٤ وما بعدها).