للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَطَرَدَ داود وأصحابه أصلهم في الطلاق، فقالوا: هو يمين غير منعقدة، فلا يلزم به طلاق ولا كفارة؛ فعلى هذا التقدير يكون هؤلاء الصحابة قد جعلوا هذه أيمانًا غير منعقدة، وهو خلاف قول المعترض وأمثاله: إنها ليست أيمانًا أو إنها أيمانٌ تُلْزِمُ الحالف فيها ما التزمه. وإذا كانوا يقولون: إِنَّ الحالف بالعتق لا يلزمه العتق ولا كفارة فيه= ثبت النزاع في العتق؛ وحينئذٍ فنقيم الدليل على أَنَّ هذه أيمان ليست كالتعليقات التي يلزم فيها المعلَّق.

وأما كونها يمينًا مكفَّرة أو غير مكفَّرة فهو مقام آخر، والقول بالتكفير ثابت (١) عن السلف لا ريب فيه، يُقِرُّ بِهِ هؤلاء الذين قالوا إنها أيمان غير منعقدة كابن جرير وداود وابن حزم، وقد تقدم نقل ابن جرير وابن حزم للنزاع في ذلك عن الصحابة والتابعين، فلا يمكن أحدًا منهم دعوى الإجماع على عدم التكفير، وإنما النزاع في كونها من جنس أيمان المسلمين أو من جنس أيمان الكفار، فتبين أَنَّ ما ذكره المعترض يضره لا ينفعه.

قال أبو محمد ابن حزم (٢): (وكذلك من أخرج نذره مخرج اليمين فقال: عليَّ المشي إلى مكة إِنْ كلمت فلانًا وإن زُرْتُ (٣) فلانًا؛ فهذا (٤) لا يلزم الوفاء بِهِ ولا كفارة فيه إلا الاستغفار فقط).

ثم قال (٥): (وقولنا هو قول طائفة من السلف؛ كما روينا من طريق


(١) كررها الناسخ.
(٢) في المحلى (ص ٩٨٨).
(٣) في الأصل: (فرق)، والمثبت من المحلى، مع وجود سقط يسير هنا.
(٤) كذا في الأصل، وفي المحلى: (فكل هذا).
(٥) المحلى (ص ٩٩١).