فمثل هذا الكلام وأمثاله لولا أن المعترض سطَّره لم يكن بنا حاجة إلى أن نذكره ونجيب عنه، فإنه وأمثاله من كلامه مما يظهر فيه أنه من جنس كلام القرامطة، الذين يحرفون كلام المتكلم عن مواضعه، ويحملونه على ما لم يخطر ببال أحد من المستمعين أنه أراده!
فإنَّ هذه المرأة كانت تعتقد أنه يلزمها ما حلفت به من الهدي والعتق والكفر، ولهذا جعلت ذلك عذرًا لها في الإصرار على اليمين، وصارت تقول لكل واحد من أولئك السادة: حلفتُ بالهدي والعتاق، فيقولون: وإنْ كنتِ حلفت بالهدي والعتاق، وتستعظم أن تحنث في يمينها لِظَنِّهَا لزوم تلك الأمور التي عَلَّقَتْهَا بالشرط؛ وتقول لابن عمر: بأبي أنت وبأبي أبوك! قلت: كذا وكذا، تُظْهِرُ له عظيم ما جعلته لازمًا لها من الهدي والعتق والكفر وغير ذلك، ثم مع هذا يقولون لها: كَفِّرِي يمينك، لا يأمرونها بغير هذا.
أفتظنُّ أنَّ هذه كانت تُفَرِّق بين الحلف بالعتق وغيره، وترى العتق يلزم والهدي والكفر لا يلزم؟! أم كان الجميع عندها سواء في اللزوم، لأنَّ ذلك موجب عقدها؟ وهي لم تكن تَعرف أَنَّ الله جعل لهذا العقد تحلة، فأفتاها الصحابة بالكفارة وحدها ولم يأمروها بشيء غير ذلك، ولا قالوا لها إنه يعتق كل ما في ملكك من الرقيق مع الكفارة.
فلو قال بعض الناس: كان الأمر بالكفارة في الحلف بالكفر وحده، والباقي لازم ــ كما يقوله بعض أصحاب أبي حنيفة ــ كان قوله من جنس قول من قال: بل الكفارة في النذرِ، والعتقُ لازم؛ وكلاهما باطل قطعًا، وبطلانه أظهر من بطلان قول من يقول: بل الكفارة كانت في العتق والهدي، وأما الكفر؛ فلا كفارة فيه.