للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قط عاقل: إِنَّ من عَلَّقَ الطلاق بصفة يقصد إيقاع الطلاق عندها أَنَّ هذا من الأيمان التي نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها، ولا من الأيمان التي جعل الله ــ تعالى ــ فيها الكفارة؛ فمن ظن أن أحدًا من العلماء جَعَلَ هذا من أجل هذين= فقد غلط غلطًا بينًا لا يغلط مثله من له معرفة بأقوال العلماء في مسائل الأيمان والطلاق؛ فكيف يكون أعذرُ ممن فَرَّقَ بين التعليق الذي يقصد به اليمين والذي يقصد به الإيقاع؟!

وهذا الفرق هو الذي دَلَّ عليه الكتاب والسنة واللغة والعقل والعرف، وهو القول الثابت عن الصحابة وجمهور التابعين، وَمِنْ بعدهم عامةُ علماءِ المسلمين الأولين والآخرين يقولون بهذا الفرق، لكن منهم من يجعل التعليق القسمي لغوًا، ومنهم من يجعله يمينًا منعقدة، ومنهم من يستثني بعض ذلك؛ كالحلف بالطلاق والعتاق والظهار والحرام على ما في استثناء هذه من النزاع.

وأما مَنْ يجعل التعليق القسمي كالتعليق الإيقاعي مطلقًا، فهذا قولٌ قاله بعض التابعين ومن وافقهم، ومع هذا فلم يطرده أحدٌ من الأئمة، وقد روي عن الصحابة فيه رواية ضعيفة لم يقل بها أحد من الأئمة، بل الذين قالوا هذا تناقضوا واختلفوا، كما ذُكِرَ هذا في موضع آخر (١).

الوجه [الثامن]: قوله: (وأما مَنْ سَلَّمَ التعليق فأقل عذرًا).

فيقال له: جميع الأمة قد سَلَّمَت التعليق في النذر وغيره كالعتق، ومع هذا فجمهور سلفهم وخلفهم فَرَّقُوا بين التعليق الذي يقصد به اليمين


(١) تقدم في (ص ٨٤٤ وما بعدها).