للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله من أَنْ يُعطيَ الكفارة التي فرض الله عليه» (١).

وإذا عُرِفَ هذا؛ فمن قال: يخير بين الوفاء بما نذر وبين الكفارة، فهذا أرادوا به إذا وجد الشرط، فإنه ــ حينئذٍ ــ يُخير بين أن يفعل الجزاء الذي جعله لازمًا، وحينئذٍ فلا يكون قد حنث، فلا يلزمه كفارة يمين. وبين ألا يفعله فيكون قد حنث فيلزم كفارة يمين، لكن مِنْ هؤلاء مَنْ يقول: هذا أَخَذَ شبهًا من اليمين وشبهًا من النذر، وجعلوا التخيير بناءً على هذا.

وحقيقةُ الأمر أنه لا يكون حانثًا الحنث الموجب للكفارة إلا إذا وجد الشرط ولم يوجد الجزاء، فالتخيير هو تخييرٌ بين مخالفةِ عَقْدِهِ والوفاء به، كما يُخيَّر في غير هذه اليمين بين البِرِّ والحنث، وهذا التخيير إنما يُشْرَعُ إذا كان فِعْلُ الجزاء مباحًا، فأما مع كونه مكروهًا أو محرمًا فلا يخير.

ومن قال تجب الكفارةُ عينًا؛ فلو فَهِمَ أَنَّ الكفارة إنما تجب عينًا عند الحنث الذي هو وجود الشرط وعدم وجود الجزاء= لكان قد أحسن، لكن ظَنَّ ذلك هو مجرد وجود الشرط. [٢٥٦/ أ] فَجَعْلُ الكفارة تلزمه وإن فعل ما التزمه يُظْهِرُ فسادَ قولِهِ ومخالفته للأصول والنصوص (٢)، بل ومخالفته لإجماع السلف، كما ذكره الإمام أحمد.

الوجه الثالث: أَنْ نقول: الصحابة وجمهور التابعين الذي قالوا بإجزاء


(١) أخرجه البخاري (٦٦٢٥)، ومسلم (١٦٥٥) من حديث أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ، ولفظه: «والله لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله، آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه».
(٢) بعدها في الأصل: (بل ومخالفته للأصول والنصوص)، وهذا تكرار.