ولكن إن كان أثر عثمان بن حاضر ثابتًا عن هؤلاء الصحابة، فيمكن أن يكون قولهم في الطلاق المعلق بقصد اليمين أنه يلزم كما يلزم العتق والنذر، ونحن لم نَدَّعِ إجماعًا في عدم لزوم الطلاق والعتاق والنذر لا عن الصحابة - رضي الله عنهم - ولا عن التابعين به، كما يدَّعي [١٠٨/ أ] غيرنا إجماعات باطلة، فغاية ما في هذا إثبات نزاع عن الصحابة في ذلك، وهذا لا يضرنا بل ينفعنا.
مع أنَّ من ادعى أنَّ الصحابة قد تفرق بين العتق والطلاق مع خطئهم في الفرق. يقال له: لا يلزم إذا جعلوا العتق واقعًا أن يجعلوا الطلاق واقعًا، فإن العتق قربة وطاعة، وهو لو عَلَّقَ وجوبه على وجه النذر= لزمه بالنص والإجماع.
فلو قال: إِنْ شفى الله مريضي فعليَّ أَنْ أُعتق عبدًا، أو عبدي فلان؛ لزمه.
ولو قال: فعليَّ أَنْ أُطَلِّق امرأتي أو نسائي؛ لم يلزمه الطلاق الذي ليس بطاعة لله بالنص والإجماع، ولكن إن كان الطلاق قربة لسبب أوجب كونه قربة لزم من هذه الجهة، وإذا لم يلزمه الطلاق لزمته كفارة يمين ــ نصَّ عليه أحمد وهو قول أبي حنيفة والخراسانيين من أصحاب الشافعي ــ إذا قصد بذلك اليمين.
وأحمد يوجب الكفارة وإن لم يقصد اليمين، بل قصد التقرب إلى الله ــ تعالى ــ بالطلاق معتقدًا أنه قربة، مثل أَنْ يعتقد أَنَّ الترهُّبَ دين مشروع كمن ينذر لله أنه لا يأكل ولا يشرب الماء ولا يتزوج النساء ولا يأكل اللحم، أو أَنْ يطلق نساءه، أو أَلا يلبس القطن والكتان، أو لا ينام على جَنْبٍ، أو ألا يتكلم = فإذا نذر هذه الأمور التي ليست عبادة وهو يعتقدها عبادة، لم يلزمه