للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قد قيل: المؤخر هو الشرط، وقيل: بل هو دليل على شرط محذوف، ولكن لما كان أَصْلُ الشرطِ [٢٥٠/ أ] التقديمُ أَطْلَقَ مَنْ أَطْلَقَ مِنَ الفقهاء أَنَّ المقدَّم في هذه الصيغة مؤخر في هذه، والمنفي مثبت، لأنَّ المؤخر في صيغة الجزاء هو المحلوف عليه؛ كقوله: الطلاق يلزمني لأفعلنَّ أو لا أفعل، وهذا في صيغة الشرط هو المعلَّق بالشرط، فيكون ترتيبه التقديم كقوله: إِنْ لم أفعل أو إِنْ فعلتُ فامرأتي طالق. وإذا كان حكم الصيغتين واحدًا وإحداهما صيغة قَسَم في لغة العرب؛ فالأخرى مثلها بالإجماع والمعقول.

الثالث: أَنَّ تسميةَ صيغةِ التعليق يمينًا وحلفًا استعمالٌ ثابت في لغة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ كما في الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَنْ حَلَفَ بملةٍ سوى الإسلام كاذبًا فهو كما قال» (١)، وهذا إنما يكون في مثل قوله: إِنْ كنتُ فعلتُ كذا فأنا يهودي أو نصراني، فيحلف كاذبًا بالملة؛ فإذا كان كاذبًا استحق أَنْ يكون كما قال (٢).

وأما تحريف بعض المتأخرين له بقوله: المراد إذا قال: وَحَقُّ اليهودية والنصرانية؛ فإنَّ هذا لا يقال فيه: فهو كما قال، والناس لم تجر عادة أحدٍ منهم أَنْ يحلف بذلك، والمعروف عند الفقهاء وعموم المسلمين من الحديث هو المعنى الأول، فهذا المعنى هو الذي نقلته الأمة عن نبيها - صلى الله عليه وسلم - كما نقلت ذلك اللفظ.

الوجه الرابع: أَنَّ تسميةَ هذا التعليق يمينًا، بل وإدراجه في عموم الآية هو قول أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكابر التابعين، كما تقدم النقل الثابت عنهم


(١) تقدم تخريجه في (ص ٤٢).
(٢) انظر ما تقدم (ص ١٨ وما بعدها، ٥٧ وما بعدها).