الجواب الثالث: أنه بتقدير أن يكون النذر وجوب فعل في الذمة؛ فيقال له: لا ريب أَنَّ المعلَّق في النذر وجوب تلك الأفعال، كما أن المعلَّق هناك وقوع العتق والطلاق، ولو كان التعليق نذرًا محضًا ــ وهو نذر التبرر ــ للزم ثبوت هذا الوجوب المعلق في الذمة، ولم يمكنه رفع وجوب هذه الأفعال عن ذمته بكفارة ولا غيرها، ولم يكن متمكنًا من رفع هذا الوجوب، كما لا يتمكن من رفع وقوع الطلاق والعتاق، فالوجوب كالوقوع.
ثم إذا قصد بالنذر اليمين لم يثبت هذا الوجوب عند الشرط، بل تجزئه كفارة يمين إلا أَنْ يَلزم مقتضى التعليق، وهو فعل ما أوجبه؛ كذلك في تعليق الطلاق والعتق على وجه اليمين لا يثبت هذا الوقوع عند الشرط، بل تجزئه كفارة يمين إلا أن يلزم مقتضى التعليق ــ وهو وقوع الطلاق والعتق ــ فينشئ حينئذٍ إعتاقًا وطلاقًا، وإذا فعل ذلك لم يكن عليه كفارة يمين هنا، كما ليس عليه كفارة يمين إذا فعل ما عَلَّقَ وجوبه؛ هذا مذهب الجمهور.
وذكر أحمد بن حنبل أَنَّ هذا إجماعًا، وفيه قولٌ للشافعي اختاره طائفة من الخراسانيين، وذُكِرَ ذلك رواية عن أحمد حكاها جماعة من أصحابه أنه لا بُدَّ من الكفارة.
والمقصود: أنَّ ثبوت الوجوب في الذمة بالتعليق القَسَمِيِّ والإيقاعي كثبوت الوقوع بالتعليق القسمي والإيقاعي، ليس بينهما فرق مؤثر أصلًا البتة، فإذا كان قصد اليمين مانعًا من ثبوت الوجوب = كان ــ أيضًا ــ مانعًا من ثبوت الوقوع.