للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عند المفتي أحد القولين لم يجز له أن يفتي بما لم يترجح عنده، والأصل بقاء النكاح؛ ولهذا كان أحمد يقول في طلاق السكران: إن من قال: إنه يقع؛ فقد حرمها على زوجها وأحلها لغيره، فقد فعل شيئين، ومن لم يحرمها أبقاها على ما هي [٤٩/ ب/ أ] عليه، فلم يفعل إلا شيئًا واحدًا (١).

فالاحتياط للمفتي إذا لم يحرم ويحلل بالشك، بل أمسك عن ذلك، وأمر بالكفارة للاحتياط بأدائها لِمَا نُقِلَ من الخلاف في وجوبها؛ فهذا أحوط الأقوال الثلاثة قبل أن ينظر في الأدلة المفصلة مع ما ينضم إلى ذلك من المرجحات الكثيرة؛ فكيف ولست تجد في كلام أحد من العلماء على الإيقاع دليلًا يُعتمد عليه فضلًا عن أن يكون راجحًا، بل ليس معهم كتاب ولا سنة ولا آثار عن الصحابة ولا قياس جلي؛ بل الكتاب والسنة والقياس الجلي يدل على عدم الوقوع.

والنزاع في الوقوع ثابت بلا ريب وكذلك النزاع في الكفارة؛ ولكن المقصود أن ندرج الكلام في مقامات هذه المسألة درجة درجة؛ فإنَّ من الناس من يقول: لم يَثبت عندي النزاع في الكفارة، فيقال له: لا ريب أنه قد نقل النزاع في ذلك، كما نقله غير واحد منهم ابن حزم، وأنت لا تجزم جزمًا قاطعًا بأن الأمة اتفقت على نفي التكفير؛ وحينئذٍ فإذا ترجح عندك القول


(١) لم أجده في المطبوع من مسائل الإمام أحمد، ولكن نقل غلام الخلال في زاد المسافر (٣/ ٢٩١)، وابن القيم في مواضع من كتبه ــ كإعلام الموقعين (٥/ ٤٥٤)، وإغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان (ص ٢٦)، وزاد المعاد (٥/ ١٩١، ٢٢٠) ــ عن الإمام أحمد أنه قال في رواية أبي طالب: (والذي لا يَأمر بالطلاق فإنما أتى خَصلة واحدة، والذي يأمر بالطلاق قد أتى خصلتين: حَرَّمَهَا عليه، وأحلَّها لغيره؛ فهذا خيرٌ من هذا، وأنا أنفي جميعها). وفي بعض المصادر: (وأنا أتقي جميعًا).