للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو نفي يُحَاطُ به، ومع هذا؛ فَقَدَّمَ العلماءُ إثباتَ بلالٍ - رضي الله عنه - حيث قال: صَلَّى فيه (١) على نفي أسامة [١٧١/ أ]؛ فكيف وليس مع النافي إلا ظَنُّ أبي ثور لعدم النزاع؟! كما صَرَّحَ عن نفسه بأنَّ الإجماع عدم العلم بالنزاع.

فَعُلِمَ أَنَّ هذا المدَّعِي للإجماع ليس معه علمُ أحدٍ من العلماء بالإجماع، ومن ادعى العلم بالإجماع في ذلك عُلِمَ أنه كاذب، كما قاله أحمد بن حنبل، وإنما معه عدم علمه بالنزاع، أو ظَنٌّ لنفي النزاع.

فصلٌ

وأما قوله: (فلا نعدل عن هذا إلا بنقل صريح عن إمامٍ معتبر).

فجوابه من وجوه:

أحدها: أنه لا نُسلِّم أَنَّ مثل هذا حجة يجب الاعتماد عليها، فإنه إذا قال واحد أو اثنان أو ثلاثة: نحن لا نعلم في هذا نزاعًا، أو نظن أنه لا نزاع في ذلك = لم يكن هذا مما يوجب أن جميع أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من أولهم إلى آخرهم يجب عليهم تقليدُ هذا الظانِّ فيما ظنه، فإنه لا يجب عليهم تقليده فيما يقطع به، فكيف يجب عليهم تقليده فيما ظنه؟!

وهب أنه يجوز تقليده لبعض الناس، أو يجب على بعض الناس؛ لكن لا يقول عاقل: إنَّ جميع الأمة يجب عليها تقليده، وليس هذا مثل ترك رواية ما يرويه من الأخبار، فإنَّ ذاك خبر منه عما سمعه أو رآه، ليس هو خبرًا عما يظن بالاستقراء (٢)، ولهذا يجب على أمثاله وعلى مَنْ هو أكبر منه أَنْ


(١) أخرجه البخاري (٥٠٦)، ومسلم (١٣٢٩) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
(٢) في الأصل: (بالاستقرار)، ولعل الصواب ما أثبتُّ.