للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والجمهور على خلاف هذا القول، ونقضوا عليهم بالضمان، فإنَّ الضمان التزام للمدين قضاء دينه بدون المعاوضة وقد لزمه، والناذر التزم لله عبادة، وكلاهما ملتزم، لكن هذا التزم لله ــ تعالى ــ طاعة وهذا التزم للمخلوق قضاء دينه؛ والوعد فيه نزاعٌ وتفصيلٌ ليس هذا موضعه (١).

وقد سمى الله النذر وعدًا (٢)، فلا نقول: إِنَّ كل وعد لا يلزم الوفاء به؛ ولكن النزاع هل نفس الوعد يوجب أو لا يوجب إلا في صورٍ [١٦١/ ب] مخصوصة كالنذر والضمان؟

وقوله: (إِنَّ الفتوى في هذا الزمان لا يمكن القول بها) كلامٌ صحيح، بل ولا في غير هذا الزمان، اللهم إلا أَنْ يكون قد كان بعض الناس يقصد بها النذر، ولعل هذا قد كان في زمن أبي حنيفة، ولهذا جعل هذا نذرًا، وإلا فالذي يعرف من عامة من يتكلم بهذه الصيغة أنه يقصد بذلك الإيقاع لا النذر، فيحمل كلامهم على ما هو المعروف من معناه عندهم.

وأما تعليله بقوله: (لشهرةِ هذا اللفظ في معنى التعليق) فهذا تعليلٌ باطلٌ، فإنَّ هذا اللفظ يستعمل منجزًا ومعلقًا، فيقول الرجل: الطلاق يلزمني منك، أو الطلاق لازمٌ لي.


(١) انظر: الفروع (٦/ ٣٩١ - ٣٩٣).
(٢) في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: ٧٥ - ٧٧].
وانظر: مجموع الفتاوى (٢٨/ ٦٤٩ - ٦٥٠).