للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مرادًا بتقدير الحنث امتنع أن يكون مانعًا من الحنث.

ولهذا يكون الوعيد مانعًا للمتوعَّدِ من الفعل، لأنه يكره ما توعد به بتقدير الفعل فيمنعه ذلك، وأما الذي توعده بالعقوبة فلا يكون الوعيد مانعًا له من الفعل، فإنه لا يكره معاقبة المخالف له الذي توعده، وألا يمتنع من ذلك، إذ لو كان ممتنعًا كارهًا للوعد وَإِنْ وجدت المعصية= لم ينزجر العاصي، فإنه يقول: وإن عصيت فهو ممتنع من عقوبتي، وإنما يمتنع إذا عَلِمَ أنه لا يَكره عقوبَتَهُ. والمحلوفُ عليه بَرَّ قَسَمَ الحالف (١) كرامةً له، وكراهته أن يؤذيه بالحنث؛ إما لمحبته فيه وإما لرغبته في إبرار قسمه وإما لخوفه منه إذا حَنَّثَهُ، فجهة الحض والمنع مشتركة بين الحالف والمتواعِدِ، لكنَّ الحالف لا يحلف إلا بما يَكره وقوعه عند الحنث والمخالفة بخلاف المتواعِد.

ومن جعله من الفقهاء حالفًا لأجل امتناعه من الفعل وحَضِّهِ عليه، فهو إنما جعل ذلك في الصورة التي يقصد فيها اليمين كالتعليق الذي يقصد به اليمين، لم يجعل ذلك في كل تعليق، وهو مع قصد اليمين لا بُدَّ أَنْ يكون [٢٦٠/ أ] كارهًا لوجود الجزاء، ويجعلونه حانثًا بوجود الفعل، لأنه هو الفعل الذي منع نفسه منه، وهذا الحنث يخير فيه بين الكفارة وبين فعل ما التزمه.

وأما الحنث الموجب للكفارة حتمًا فهو وجود الشرط مع عدم الجزاء؛ فهذه اليمين يُعَبَّر بالحنث فيها في مجرد وجود الفعل، وهو معنى قولنا: التزم عند الحنث ما يكره لزومه له؛ فالمراد بالحنث هنا هو: وجود الفعل الذي مَنَعَ نفسه منه، ويراد بالحنث أنه وجد الفعل اللازم ولم يوجد الجزاء اللازم


(١) في الأصل زيادة: (لا)، وبحذفها يستقيم الكلام.