حجةً نقليةً يجب العملُ بها كما يجب العمل بالأخبار الثابتة المنقولة، لا سيما والأصوليون قد تنازعوا في الإجماع إذا نُقِلَ بخبرٍ واحدٍ هل يكون حجة أم لا؟ على قولين مشهورين (١).
وهذا إذا نقل بإسناد متصل عن جميع أهل الإجماع كما نقل عن الصحابة المعروفين ونحوهم، فأما نقلُ واحدٍ متأخرٍ بعد القرون الثلاثة لإجماعٍ لم ينقله قبله أحدٌ، وليس معه فيه إلا ظن عدم النزاع؛ فكيف يجب على الأمة اتباعه بمجرد ذلك؟!
نعم من استقرأ الأقوال وتتبعها فَغَلب على ظنه= كان بمنزلة أبي ثور في ذلك، وهذا الظن قد يكون صوابًا وقد يكون خطأ، وليس له أَنْ يحتجَّ على غيره بظنه إلا كما يحتجُّ على غيره بنفي المعارض، مثل أَنْ يقول: هذا دليل عام ولا مخصص له، فإني بحثت عن المخصص فلم أجده.
وقد تنازع الناس في نفي المعارض هل هو جزء من الدليل في حق الناظر أو المناظر؟ والصحيح: أَنَّ الناظر المستدل لا يعمل بالدليل الظني إن لم يغلب على ظنه نفي المعارض المقاوم، وأما المناظر فلا يجب عليه في الاستدلال نفي المعارض مفصلًا، فإنَّ هذا يتعذر أو يتعسر، وهذا يظهر بِـ
الجواب الثاني: وهو أَنْ يقال: هَبْ أَنَّ المحتج بنقل أبي ثور هو أبو ثور نفسه، فليس عِلْمُ الإنسان بما في قلب غيره بأعظم مِنْ علم ذلك الشخص؛ فإنَّ المناظر له يقول له: مجرد ظنك ليس بحجةٍ عليَّ إِنْ لم أستقرئ أقوال العلماء فأظن ما ظننته [١٧٢/ أ] من عدم المنازع.
(١) المعتمد (٢/ ٦٧)، البحر المحيط (٤/ ٤٤١)، شرح مختصر الروضة (٣/ ١٣٠).