للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اليمين فكلاهما غير مراد بل مكروه له، وهو ممتنع منهما، ولكن هو للجزاء أشد وأدوم كراهة منه للشرط، ولكن علقه بالشرط وجعله لازمًا له ليكون لزوم الجزاء المكروه مانعًا وزاجرًا وناهيًا عن فعل الشرط، فهو كارهٌ للجزاء ممتنع منه كراهةً تامةً ثابتةً، وَعَلَّقَهُ بما هو مكروهٌ له كراهةً عارضةً خفيفةً.

والمكروه يهرب منه الناس ويدفعه عن نفسه ويُقْصيه، فيكون كلما هرب من هذا المكروه الأعلى دفعه عنه وأقصاه صار هاربًا من ملزومه وهو الشرط، وصار الشرط مدفوعًا عنه بعيدًا منه، فَقَصْدُهُ إبعادُ هذا الشرط وإقصاؤه، لكونه (١) مستلزمًا لذلك الذي هو أشد بعدًا منه، وأقوى بُعدًا منه؛ فإنَّ موجب التعليق أنه إذا وجد الملزوم وهو الشرط المكروه وجد لازمه وهو الجزاء الذي كراهته أقوى وأدوم، وهذا بعيدٌ قصي، وإذا انتفى اللازم ــ وهو الجزاء ــ انتفى الملزوم ــ وهو الشرط ــ؛ فكلاهما مقصي عنده بعيد منه مكروه له منتفٍ في إرادته، لم يرد الأول ولا الثاني وإن وجد الأول.

كمن غضب على بعض أصحابه وأراد إبعاده عنه، فَسَلَّمَهُ إلى عدوه الذي أشد كراهة له منه، فاستولى عليه ذلك العدو، ولم يَبْقَ تخليصُهُ ممكنًا إلا بمجيءِ عدوه إليه مثل أَنْ يكون قد ارتدَّ عندهم وصاروا يَنْصُرُونَهُ، فلو طُلِبَ قدومه لم يقدم إلا ومعه الكفار، وهو لا يختار قدوم الكفار المحاربين إلى بلاد الإسلام واستيلاءهم عليها أبدًا، لكن قد يكون قد رضي عن صاحبه وأحبَّ أَنْ يتخلص من أيدي الكفر فيهاجر إليه بدون الكفار، وقد تَعَذَّرَ ذلك للزومهم إياه وتعلقهم به، فلم يبق يمكن وجود هذا الملزوم المحبوب المراد بعد أن كان بغيضًا [٢٦٧/ أ] مكروهًا إلا بهذا المكروه


(١) في الأصل: (فكونه)، ولعل الصواب ما أثبتُّ.