للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الحلف بذلك فلم يتكلموا فيه فيما بلغنا، كما تكلموا في تعليق الطلاق على الملك (١) ولم يتكلموا في الحلف به فيما بلغنا؛ لأن الناس لم يكونوا يعتادون الحلف بالحرام ولا بالظهار ولا بالطلاق في أوائل الأمر، لكن بعد ذلك اعتادوا الحلف بها، وقد كانوا يحلفون بالنذر قبل ذلك، لأنَّ هذا فيه التزام عبادة لله، فهو أخف على الإنسان من تحريم أهله وماله؛ فقد يختار الرجل أن يتصدق بماله لله، ولا يختار بشر أن يحرم عليه جميع ما أحله الله له، فصاروا يغلظون الأيمان شيئًا بعد شيء، كما أنهم في أول الأمر لم يكن ولاة الأمور يُحَلِّفُونَ الناس بأيمان البيعة، ثم حلفهم الحجاج بأربعة أيمان أو خمسة، ثم زاد الناس في أيمان البيعة أضعاف ما فعله الحجاج (٢).

وقد نُهي عن تغليظ الأيمان لما في ذلك من زيادة تعظيمها لا لأنها من أيمان الشرك؛ فيظن الغالط أَنَّ ذلك يقتضي أنها لا تلزم للنهي عنها، ولو تغلظت الأيمان المنعقدة غاية التغليظ، فإنَّ أيمان المسلمين [٨/ ب] لا تغير شرائع الدين؛ بل ما كان الله ورسوله قد أَمَرَ به قبل الأيمان المغلظة على تركه فقد أمر به بعد ذلك، يفعله العبد كما أمر الله ــ تعالى ــ به ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ويُكفِّر أيمانه المغلظة، وما نهى الله عنه ورسوله بعد تغليظه الأيمان على فعله فإنه منهي عنه بعد أَنْ حَلَفَ الأيمان المغلظة أنه لا يفعله، فيكفر أيمانه ولا يفعله (٣).


(١) انظر ما ورد عنهم في: مصنف عبد الرزاق (٦/ ٤١٥ وما بعدها)، ومصنف ابن أبي شيبة (٩/ ٥٢٤ وما بعدها).
(٢) انظر ما سيأتي في (ص ٤١ - ٤٤، ٨٣٥).
(٣) مجموع الفتاوى (٣٣/ ١٤٤ وما بعدها)، الفتاوى الكبرى (٣/ ٢٦٥)، قاعدة العقود (١/ ٢٥٧ وما بعدها).