للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعاهدة لسرية عاصم مؤكدة باليمين، ومثل هذا يجب الوفاء به باتفاق المسلمين ولا يجوز فيه الحنث والتكفير.

ومنه قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ} [الأحزاب: ١٥]، فإن تولية الأدبار من الكبائر، والامتناع من التولي واجب بالشرع، فإذا عاهدوا الله عليه توكَّد وجوبه؛ كالذي يعاهد الله على العمل بطاعته، وكالذين يبايعون النبي - صلى الله عليه وسلم - على الإيمان به وطاعته قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: ١٠] فقد بين أن ما بايعوا الله عليه فقد عاهدوا الله عليه.

ومنه قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: ١] قال غير واحد من السلف: يتساءلون به أي: يتعاقدون ويتعاهدون؛ فإنَّ كل واحد من المتعاهدين المتعاقدين يسأل بالله (١) ويطلب منه ما عاهده عليه (٢)،

وهذه معاهدة بالله وإن لم يتكلم بها بحرف القسم، وتسمى هذه أيمانًا؛ قال تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ


(١) في الأصل: (الله)، والصواب ما أثبتُّ.
(٢) انظر آثار السلف في ذلك: تفسير الطبري (٦/ ٣٤٢ وما بعدها)، تفسير ابن المنذر (٢/ ٥٤٨)، تفسير ابن أبي حاتم (٣/ ٨٥٤).

وانظر: مجموع الفتاوى (٢٩/ ١٣٩ - ١٤٠، ٣٢/ ١٣)، الفتاوى الكبرى (٤/ ٨٣ - ٨٤)، القواعد الكلية (ص ٣٨٥)، اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٣٠٨، ٣٢٧)، الصارم المسلول (٢/ ٤٢)، أحكام أهل الذمة (٣/ ١٣٨٧ وما بعدها).