للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ حلف بملة غير الإسلام كاذبًا فهو كما قال» (١) فهذا وعيدٌ شديدٌ.

والناس متنازعون في اليمين الغموس إذا حلف هل يَكْفُر أم لا يَكْفُر؟ وظاهر الحديث يقتضي كفره ولكن كنظائره، مثل قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤] قال ابن عباس وطاووس وأحمد وغيرهم: كفر دون كفر (٢)، ومثله قوله: «كُفْرٌ بالله تبرؤٌ من نسب» (٣)،

وقوله: «إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر؛ فقد باء به


(١) تقدم تخريجه (ص ٤٢).
(٢) ما ورد عن ابن عباس: أخرجه الحاكم في المستدرك (٢/ ٣٤٢)، والبيهقي في السنن الكبير (١٦/ ١٤٧/ح ١٥٩٥١). وقال الحاكم: هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقد روي عنه تفسير الآية بألفاظ مختلفة.
وما ورد عن طاووس: أخرجه الثوري في تفسيره (ص ١٠١) ــ ومن طريقه محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة (٢/ ٥٢٢)، والخلال في السنة (٤/ ١٦٠) ــ وغيرهم بلفظ: (ليس بكفرٍ ينقل عن الملة).
وما ورد عن الإمام أحمد: نقله إسماعيل الشالنجي ــ كما في فتح الباري لابن رجب (١/ ١٣٩) ــ حيث ذكر له قول ابن عباس المتقدم وسأَلَهُ: ما هذا الكفر؟ قال: هو كفرٌ لا ينقل عن الملة. مثل الإيمان بعضه دون بعض؛ فكذلك الكفر حتى يجيء من ذلك أمرٌ لا يُختلف فيه.
(٣) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (١١/ ٥٩٢)، وابن ماجه (٢٧٤٤) وغيرهما عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (٢/ ٣٧٩): وهذا إسناد صحيح.
وأخرجه ابن الجعد في مسنده (ح ٢٧٨٥)، والدارمي (٤/ ١٨٩٠)، والبزار (١/ ١٣٩) وغيرهما من حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -.

قال البزار: وهذا الكلام لا نعلمه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا عن أبي بكر عنه. ورواه عن أبي بكر قيس بن أبي حازم بهذا الإسناد. ورواه أبو معمر عن أبي بكر، واختلفوا في رفع حديث أبي معمر: فرواه جماعة عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن أبي معمر، عن أبي بكر موقوفًا، وأسنده بعضهم، والذي أسنده فليس بالحجة في الحديث، والسري بن إسماعيل ليس بالقوي، وقد حَدَّثَ عنه الزهري، وجماعة كثيرة واحتملوا حديثه. قال ابن حجر في إتحاف المهرة (٨/ ٢١٧): أبو معمر لم يسمع من أبي بكر. وقد قال البزار: إنَّ بعض أصحاب حماد رفعه عن الحجاج عن الأعمش، والحفاظ يوقفونه. وقال الدارقطني: والموقوف أشبه بالصواب.
وقال الإمام أحمد في أصول السنة ــ كما في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (١/ ١٧٥) ــ بعد أن ذكر جملةً من الأحاديث: ونحوه من الأحاديث مما قد صحَّ وحُفِظَ.
انظر: العلل للدارقطني (١/ ٢٥٤، ٢٦٢)، السلسلة الصحيحة (٧/ ١١١١/ ح ٣٣٧٠)، تنبيه الهاجد (١/ ٥٩٢/ ح ٤٩٤).