للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقول المعترض: (ليس هذا عادة الرواة؛ فكم من حديث أطبق الرواة على روايته مع تنازع الفقهاء في حكمه؟ وكم من راوٍ روى ما يخالفه فيه الجم الغفير، ولم يسمع عن أحدٍ يُوثَقُ به أنه كان عنده حديث فيه حكم امتنع عن روايته هيبةً من أحد، بل إذا كان النزاعُ تَقِلُّ الهيبة، وإنما تكون الهيبة لو كانت [فيما] يخالفُ الإجماع والسواد الأعظم) (١).

فيقال له: بل من الرواة من يترك ما هو عنده إذا كان العمل المشهور بخلافه، وهذا معروفٌ مِنْ حال مالك وغيره؛ ربما روى الحديث ثم يمتنع مِنْ روايته إذا كان العمل عنده بخلافه، كما امتنع من تحديثه بحديث أم سلمة: «إذا دخل العشر، وأراد أحدكم أن يضحي؛ فلا يأخذ من شعره ولا بَشَرِهِ شيئًا» (٢) حَدَّثَ به لشعبة (٣)، ثم تركه لكون العمل عنده بخلافه، وكان إذا سئل عنه لم يحدث (٤).


(١) «التحقيق» (٣٨/ أ)، وما بين المعقوفتين زيادة من «التحقيق».
(٢) أخرجه مسلم (١٩٧٧).
(٣) في الأصل: (لسبعة)، ولعل الصواب ما أثبت، كما سيأتي في التعليق التالي من تحديث شعبة به عنه.
(٤) قال ابن عبد البر في التمهيد (١٧/ ٢٣٧): (وقد ذكر عمران بن أنس أنه سأل مالكًا عن حديث أمِّ سلمة هذا، فقال: ليس من حديثي! قال: فقلتُ لجلسائِهِ: قد رواه شعبة وحدَّث به عنه، وهو يقول: ليس من حديثي! فقالوا لي: إنه إذا لم يأخذ بالحديث قال: ليس من حديثي) اهـ.
وانظر: الاستذكار (١١/ ١٨٥)، والبيان والتحصيل (١٧/ ٣١٥).