للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا لا يناقض قولنا: حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال (١)، بل كلاهما حق كما قاله العلماء (٢)؛ فالأول إذا سأل سائل بكلمة مطلقًا فأطلق له الجواب كان السؤال كالمعاد في الجواب، فيعم صوره إذا لم يكن هناك ما يدل على أنه عرف اختصاص السؤال ببعض الوقائع؛ كالذي قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إِنِّي أحرمت بعمرة، وعليَّ جُبَّة، وأنا متضمخ بخلوق. فقال: «انزع عنك الجبة، واغسل عنك أثر الخلوق، واصنع في عمرتك ما كنت صانعًا في حجك» (٣).

فقوله: أحرمتُ بالعمرة؛ مطلق لا يخص الإحرام دون الميقات وقبله، وقوله: وعليَّ جُبَّةٌ؛ مطلق لا يخصُّ جبة بيضاء من صفراء، فكان ترك استفصال النبي - صلى الله عليه وسلم - له في حكاية حاله حين سأله مع قيام الاحتمال يتنزل منزلة قوله: مَنْ أحرم بعمرة وعليه جبة فلينزعها، سواء أحرم قبل الميقات أو بعده، وعلى أيِّ لونٍ كانت الجبة (٤).

[٨٩/ أ] وكذلك الأعرابي لما سأله فقال: إني وقعت على أهلي في


(١) لم أجد ابن تيمية - رحمه الله - ذكر هذه القاعدة في كتبه الأخرى، إلا أنَّ هذه القاعدة منسوبة للشافعي - رحمه الله - أيضًا؛ كما في مراجع الحاشية السابقة.
(٢) الفروق للقرافي مع حاشية ابن الشاط (٢/ ١٥٩)، الأشباه والنظائر للسبكي (٢/ ١٤٥)، نهاية السول (٢/ ٧٤)، البحر المحيط في أصول الفقه (٣/ ١٥٢)، التحبير شرح التحرير (٥/ ٢٣٨٧)، شرح الكوكب المنير (٣/ ١٧٢)، حاشية العطار على جمع الجوامع (٢/ ٢٥).
(٣) أخرجه البخاري (١٦٩٧)، ومسلم (١١٨٠) من حديث يعلى بن أمية - رضي الله عنه -.
(٤) مجموع الفتاوى (١٩/ ١٥، ٢٨٦) (٢١/ ٢٠٤) (٢٢/ ٣٢٨)، الفتاوى الكبرى (١/ ١٥٦، ٣٣٣) (٢/ ١٥٩)، درء التعارض (٧/ ٣٣٨ وما بعدها).