للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم يفتوا في مثل ذلك بالتكفير حجة على المجيب، كما تقدم في ذلك غير مرة، حتى جعل تعليق الوعيد كقوله: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [محمد: ٣٨] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٨] مما يدخل في صور النزاع، وأنه يجب أن يكون يمينًا عند الحنث، وأن يجب في مثله التكفير.

وقد تقدم أن هذا سوء فهم منه، لم يخطر ببال المجيب أن أحدًا يفهم من كلامه هذا، فإنه لم يقل ما يدل على ذلك، ولو خَطَرَ لَهُ أَنَّ أَحدًا يَفْهَمُ هذا لَبَسَطَ الكلامَ في ذلك الجواب المختصر الذي اعترض عليه المعترض، وإنْ كان المجيب قد بسط الكلام في ذلك في مواضع أُخَر (١)، وبَيَّنَ الفرق فيما يقصد به الحض والمنع وبين أن يقصد الإيقاع كما تقدم، وبَيَّنَ أَنَّ من قصد الإيقاع فليس بحالف، ولا قال أحد من أهل العلم إن هذا يمين مكفرة، لا المجيب ولا غيره، ولا سَمَّى أحدٌ من الصحابة هذا حالفًا، بل ولا من التابعين في الأقوال المعروفة عنهم [١١٣/ ب] بأسانيدها، مثل الأقوال التي جمعها المعترض، وطالع عدة كتب حتى جمعها، واجتهد في جمع ما أمكنه من كلام الصحابة والتابعين في هذا الباب ليجعله حجة على المجيب، ومع هذا فلم يذكر عن أحد منهم لفظًا أنه جعل من قصد الإيقاع عند الشرط حالفًا.

وإنما سَمَّى مثل هذا حالفًا من الفقهاء مَنْ لا فرق عنده بين أن يقصد الإيقاع وبين ألا يقصده، فلما استويا عنده في الحكم نقل اسم أحدهما إلى


(١) انظر المواضع التي تكلم فيها ابن تيمية عن هذه المسألة في المقدمة (ص ٣٦ - ٤٣).