للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَظَنَّ هذا المعترض أَنَّ المجيب قصدَ نقيضَ هذا، ونسبه إلى قلة الإنصاف وغاية المكابرة = هو من قلة إنصافه ومكابرته، حيث جعل المجيب يقصد هذا، ومن نظر في كلام المجيب مثل نظره، أو كان له به خبرة متوسطة يعلم علمًا ضروريًّا أَنَّ المجيب لا يقصد هذا، وأَنَّ مَنْ جعله قاصدًا لهذا فهو المكابر القليل الإنصاف، هذا لو كان لفظه يدل على ذلك دلالة ظاهرة، فكيف وليس اللفظ ظاهرًا في ذلك؟!

فإنَّ قوله: (حلف به قصدًا ألا يقع)؛ يجوز أن يكون نصبًا على الحال أي: قاصدًا ألا يقع العتق، والمصدر يكون حالا كثيرًا، فإنَّ التعبير بالمصدر عن الفاعل كثير جدًا؛ كقولهم: رجل عدل (١)، ويجوز أن يكون المعنى فعله لقصده ألا يقع؛ أي: لقصده اللازم الدائم ألا يقع، كما يقول: قعدت عن الحرب جبنًا، أي: الجبن دعاني إلى ذلك، وكذلك قَصْدُهُ ألا يقع دَعَاهُ إلى الفعل، ومنه قوله تعالى: {يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة: ٢٦٥]، وقوله: {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل: ٢٠]، فإنَّ ابتغاء وجه الرب هو الذي دعاهم إلى الفعل، وهذا الابتغاء موجود قبل الفعل، ويجوز أن يكون المعنى: أنه عند اليمين يؤكد قصده ألا يقع، ويجدد حصوله في قلبه مع قصده ألا يحصل الجزاء، فإنه قبل اليمين قد يكون ذاهلًا عن هذا القصد، وعند اليمين يحصل في قلبه؛ وحينئذٍ فهو باليمين قصد منع نفسه من الشرط، وهو ــ أيضًا ــ قاصد [١٢٦/ ب] الامتناع من الجزاء، وَقَصْدُ هذا الامتناع يحصل عند اليمين، وإن (٢) كان ذاهلًا عنه قبل اليمين، ويكون قصده باليمين


(١) انظر: اختيارات شيخ الإسلام وتقريراته في النحو والصرف (ص ٢٢٩).
(٢) في الأصل: (وإذا)، ولعل الصواب ما أثبتُّ.