الدور في الأنواع فمثل أَنْ يقال: الموجِبُ للسواد هو عدم البياض، والموجب للبياض هو عدم السواد؛ فهذا نظير قولنا: يقع العتق لعدم الكفارة، وتَلزم الكفارة لعدم العتق، يجعل وجود كُلٍّ من الضدين لأجل عدم الآخر؛ وهذا باطل.
بل الواجب أَنْ يقال: السواد موجبٌ لعدم البياض، والبياضُ موجب لعدم السواد؛ فيقال: وقع العتق فلا كفارة، أو لزمت الكفارة فلا عتق؛ فيكون وجود أحدهما هو المانع من الآخر، لا أَنَّ عدمَ أحدِهما هو الموجب لوجود الآخر، فإن العدم لا يقتضي وجودًا، بل الوجود [١٣١/ أ] يقتضي العدم، وكان هذا دورًا في التعليل والاستدلال، لأنه إذا كان عَدَمُ كلٍّ منهما هو المقتضي لوجود الآخر، وأحدهما لا يُعْدَم إلا مع وجود ضده، فلا يثبت وجود هذا الضد حتى يُعدم الآخر، ولا يُعدم ذاك حتى يوجد هذا، ولا يوجد هذا حتى يعدم ذاك = وهذا هو الدور.
كما إذا قيل: لا تجب الكفارة إلا إذا عدم العتق، ووجود الضدِّ وإن كان ثابتًا مع عدم الآخر، لكن لا يجوز أن يكون عدم كل منهما هو علة وجود الآخر، لأنَّ العلة لا بُدَّ أن تتقدم المعلول، وعَدَمُ أحدِهما هنا لا يكون إلا مع وجود الآخر، لا يجوز أن يتقدم عليه بوجهٍ من الوجوه لا تقدمًا عقليًا ولا وجوديًا = فامتنع أن يكون علةً له، فإذا جُعِلَ علةً له لزم الدور.
وبهذا ظهر الجواب عن قول المعترض: (الدورُ أَنْ يتوقف كلٌّ منهما على الآخر؛ فإنما يصح الدور هنا ــ كما زعم ــ لو كان ثبوت الكفارة معللًا بعدم وقوع العتق، وعدم وقوع العتق معللًا بثبوت الكفارة؛ وحينئذٍ يلزم الدور، إما على ما ذَكَرَ هو من المقدمة الثانية أَنَّ وقوع العتق يعلل بعدم