للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما ما ينقله ابن عبد البر من الإجماعات؛ فيوجد في كثيرٍ منها من النزاع أكثر مما يوجد في إجماعات ابن حزم، وهما في عصرٍ واحدٍ وبلدٍ واحدٍ؛ مثل هذه المسألة، فإنَّ ابن عبد البر نقل فيها الإجماع مع أَنَّ من عادته أنه ينقل قول داود وأصحابه، ويقال: إنه كان أولًا على مذهبهم، كما كان أبو إسحاق الشيرازي على مذهبهم؛ ومع هذا فلم ينقل ابن عبد البر مذهبهم في ذلك كما نقله ابن حزم، لأنه [١٧٣/ ب] لما رأى ما ذكره أبو ثور وابن (١) نصر تبعهما في ذلك، وقد تبين أن الأصل في ذلك عدم علم أبي ثور بالنزاع أو ظنه عدم النزاع، وهذا إذا عارضه مَنْ أثبتَ النزاعَ مجملًا لم يكن لأحدٍ أَنْ يجزم بنفي النزاع، بل ولا يظنه إذا لم يعلم انتفاءه مع جزم الناقل بثبوته، فكيف وقد عرف ثلاثة أقوال أخر؟!

قولُ مَنْ يقول: الطلاق المعلق بالصفة لا يقع بحال؛ كقول أبي عبد الرحمن الشافعي وابن حزم ومن وافقهم من الإمامية كالمفيد والموسوي والطوسي وغيرهم، وإِنْ كان هؤلاء لم ينفردوا عن أهل السنة بقولٍ صواب، فإذا قالوا قولًا قاله بعض أهل السُّنَّة ذُكِرُوا تبعًا لأهل السنة، وقد ذكرنا تنازع الناس في أهل الأهواء هل يعتد بنزاعهم أم لا في موضع آخر (٢).

والقول الثاني: قولُ مَنْ يُفَرِّقُ بين التعليق الذي يقصد به اليمين والذي لا يقصد، لكن يقول: إذا قَصَدَ اليمين لم يقع ولا كفارة عليه كما يقول ذلك طائفة أكثر من ذلك، وهو محكي عن داود وغيره وعن طائفة من أهل البيت.


(١) في الأصل: (وأبي).
(٢) انظر ما سيأتي: (ص ٦٥٩).