والتحقيق: أَنَّ ما قطعنا بأنه إجماع الأمة قطعنا بخطأ مخالفه، فإنَّا نقطع أَنَّ الأمة لا تجتمع على خطأ، وما لم نقطع بأنه إجماع الأمة لم نقطع بخطئه من هذه الجهة، لكن إِنْ علمنا خطأه من جهة أخرى قطعنا به (١).
وإذا كان كذلك؛ فمن المعلوم أنه إذا كان الطريق الذي به يُعرف الإجماع نقل أبي ثور ومن اتبعه، وهو يقول: إنما معي عدم العلم بالنزاع، وظن أنه لا نزاع = كان بمنزلة مَنْ يَقول: لا أعلم في مذهب مالك أو الشافعي أو أبي حنيفة خلافًا، أو أظن أنه لا خلاف في ذلك؛ وبمنزلة مَنْ يقول: هذا الخبر لم يروه إلا فلان، أو أظن أنه لم يروه إلا فلان، أو ما أعلم رواه إلا فلان.
فإذا قال غيره: بل في مذهب فلان قول آخر، وهذا الخبر رواه آخر.
فإذا قال العالم الآخر: بل في الطلاق نزاع، لم نَبْقَ ظانِّين للإجماع، كما كنا نظنه لو لم ينقل هذا، بل جَوَّزنا ــ حينئذٍ ــ أَنْ يكون هناك نزاع اطلع عليه هذا دون ذاك، بل ومع هذا التجويز يرجح هذا، ولو لم يرجح لم نبق ظانين إجماعًا، فلا يبقى هناك إجماع احتج به.
وإذا قام عندنا دليل خالف هذا؛ فإما أن يترجح عندنا عدم الإجماع، فيجب علينا العمل بالدليل السالم عن المعارض المقاوم، وإِمَّا أَنْ يتساوى الأمران فلا يرجح واحد على الآخر فنقف؛ فأما الجزم بهذا النقل النافي
(١) مجموع الفتاوى (١٩/ ٢٧٠)، المستدرك على مجموع الفتاوى (٢/ ١١٣)، منهاج السنة (٨/ ٣٦٠)، المنتقى من منهاج الاعتدال (ص ٥٧٨، ٥٨٠).