للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يقل أحدٌ إنه لا يعتد بالنزاع المنقول عن الصحابة والتابعين وتابعيهم؛ لكن تنازعوا فيما إذا أجمع العصر الثاني على أحد قولي أهل العصر الأول، وهذا إنما يكون إذا عُلِمَ إجماعُ مَنْ بعد الصحابة والتابعين على وقوع العتق والطلاق المحلوف به؛ وليس الأمر كذلك، بل النزاع في ذلك بعد التابعين أكثر منه في زمن الصحابة والتابعين، فإنَّ الصحابة والتابعين لم يعرف عنهم نزاع في التعليق الذي يقصد به الإيقاع، فجاء بعدهم مَنْ نازع في أصل تعليق الطلاق، حتى ذهب غير واحد إلى أنه لا يقع الطلاق المعلَّق بالصفات بحال، وليس هذا قول أبي عبد الرحمن بل قاله غيره، وهذا القول قولُ خَلْقٍ كثيرٍ من شيوخِ الشيعة المتقدمين والمتأخرين، وغير الشيعة من أهل السنة وغير أهل السنة، ولا يمكن الاحتجاج على هؤلاء بإجماع من سواهم من أهل عصرهم؛ فإنَّا في نفس بدعتهم التي بها فارقوا السنة والجماعة لا يمكن الاحتجاج عليهم بإجماع مَنْ سواهم؛ فكيف يحتج عليهم في مسألة عملية شرعية بإجماع مَنْ سواهم؟ بل لا بُدَّ من إقامةِ حجةٍ عليهم من الكتاب والسنة.

ولهذا كان كل فريق من أهل البدع لا بُدَّ أَنْ يكون في الكتاب والسنة ما يُبَيِّنُ فساد بدعتهم، وإذا احتج عليهم بالإجماع يحتج عليهم بإجماع مَنْ قبلهم من الصحابة لا بإجماع غيرهم من أهل عصرهم.

فتبين أنه لا يمكن الاحتجاج في المسألة بإجماع مَنْ بعد الصحابة والتابعين على من نازعهم في ذلك من أهل عصرهم من أي طائفة كانت (١)، لكن إِنْ كان معهم إجماع قديم احتجوا به على مَنْ نازعهم، وإلا احتجوا عليهم بالكتاب والسنة.


(١) في الأصل: (كان)، والصواب ما أثبتُّ.