للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إجماع. فيقول: هل عندهم فيها أثر قديم عن الصحابة أو التابعين؟ فيقولون: لا. فيذكر أَنَّ إجماعهم [٢١٩/ ب] ليس بشيء، فإنه دعوى يُعلم أَنَّ مدعيها يقول ما لا يَعلم، فإنه إذا ادعى أنه قد عَلِمَ إجماعَ الأمة في القرون المتأخرة مع تفرقها وانتشارها = فهذا مما نجزم قطعًا بأنه لا يعلمه، وإذا لم يكن معه إلا الاستقراء وهو تتبع أقوال العلماء ولم يجد خلافًا؛ فهذا يكون بحسب علمه، فأكثر المنتسبين إلى العلم لا يُحَصِّلُ لهم هذا الاستقراء لا علمًا ولا ظنًّا، لأنه ليس لهم خبرة بأقوال جميع العلماء مع كثرتهم وانتشارهم، والذين كانوا يقولون هذا لاطلاعهم على أكثر أقوال العلماء يصيبون في كثير مما ينقلونه، ويخطئون في بعض ما ينقلونه، فالمكثر (١) منهم لنقل الإجماع في هذه المسائل الظنية يكثر خطؤه، والمُقِلُّ (٢) منهم لنقل الإجماع فيها يقل خطؤه، ولست أعلم أحدًا ممن يَنقل الإجماع في مثل هذه المسائل إلا وقد وجدنا فيما ينقله من الإجماعات ما فيه نزاع لم يعلمه.

وأما الإجماعات التي ينقلونها وهي صحيحة فتجدها مما دَلَّ عليه الكتاب والسنة؛ فلست أعلم إجماعًا صحيحًا إلا ومعه دلالة من الكتاب والسنة توافقه، ليكون مخالف الإجماع المقطوع به داخلًا في قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: ١١٥].

* * * *


(١) في الأصل: (فالمنكر)، ولعل الصواب ما أثبتُّ.
(٢) في الأصل: (والنقل)، ولعل الصواب ما أثبتُّ.