للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غلطٌ (١)، فإنَّ مشيئة الله معلومة لنا في ذلك، نستدلُّ عليها بوقوع الحادث، فكلُّ حادثٍ فالله شاءه، وما لم يكن فالله لم يشأه، والطلاق لا يمكن أَنْ يقع إلا بإيقاع العبد فلا يتصور أن يشاءه الله إلا إذا أوقعه العبد، ويكون هو ــ سبحانه ــ قد جعل العبد موقعًا له فوقع، وأما أَنْ يشاءَ وقوعه بدون إيقاعِ العبد له= فهذا ممتنع.

فإذا قال: أَنتِ عليَّ كظهرِ أمي إن شاء الله؛ فقال هؤلاء: هذا بمنزلةِ قولِهِ: أَنتِ طالق إن شاء الله، فالله شاء أَنْ يصير مظاهرًا لَمَّا تكلم بالظهار، وكذلك إذا قال: هذا عليَّ حرام إن شاء الله.

وأحمد - رضي الله عنه - نَظَرَ إلى مقصود هذا الكلام، وهو أنه قَصَدَ أَنْ يمتنع من الوطء؛ فمراده: لا أقربكِ [٢٤٨/ أ] إن شاء الله، أَنَا مجتنبٌ لكِ إن شاء الله؛ فإنَّ الشارع لم يجعل موجب هذا اللفظ أن تصير كظهر أمه فتحرم عليه وتطلق كالأجنبية، بل هذا كان حكمهم أولًا، فلو كان هذا طلاقًا لا كفارة فيه لم يكن فيه استثناء على أصل أحمد، لكن الشارع جعله يمينًا مكفرة، فإذا عاد [لها] (٢) قال: فَطَلَبَ أَنْ يجامعها كَفَّرَ يمينه قبل أَنْ يمسها، فكان حكمها في الشرع المنع لا إزالةُ مِلكٍ، وهو منع يزول بالكفارة، وصار هذا كقوله: والله لا أقربك حتى أُكَفِّر إن شاء الله.

ولهذا قال طائفة من محققي أصحاب أحمد ــ كأبي محمد وأبي البركات (٣) ــ في قوله: أَنتِ طالقٌ إن دخلت الدار إن شاء الله، وإن دخلت


(١) انظر بحثًا مطوَّلًا في الاستثناء بالمشيئة في الطلاق في إعلام الموقعين (٥/ ٤٦٢).
(٢) كلمة غير واضحة، قدَّرتها بما أثبت، وتحتمل غير ذلك.
(٣) المغني (١٠/ ٤٧٣)، المحرر (٢/ ٧٢).