الخيرُ بالشّرِّ، وإنّ مما ينبت الربيعُ ما يقتلُ حَبَطاً أو يُلِمُّ، إلا آكلةَ الخَضِر، فإنها أكلت حتى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت عينَ الشمسِ فثلَطَت وبالَتْ ثمَّ رَتَعتْ. وإنّ هذا المال خَضِرَةٌ حلوة، ونعم صاحبُ المسلمِ هو، إنْ أعطى المسكينَ واليتيمَ وابْنَ السبيل. أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام اللغوي أبو منصور الأزهري: في هذا الحديث مَثلان، ضُرِبَ أحدُهما للمُفْرِطِ في جمع الدنيا مع مَنْعِ ما جمع من حقه، والآخرُ ضربه للمقتصد في جمع المال وبذلِه في حقّه،
فأما قوله صلى الله عليه وسلم: وإنّ مما ينبت الربيع ما يقتل حَبطاً، فهو مثلُ الحريصِ المفرطِ في الجمع والمنع، وذلك أنّ الربيعَ ينبت أحرار العشب التي تحلوليها الماشية فتستكثر منها حتى تنتفخ بطونها وتهلك، كذلك الذي يجمع الدنيا ويحرص عليها ويشحُّ على ما جمع حتى يمنع ذا الحقّ حقَّه منها، يهلك في الآخرة بدخول النار واستيجاب العذاب - أقول: ويهلك في الدنيا كذلك، وهل لا يعدُّ هلاكاً لمن هذه حالُه ما يلاقيه من إزراءِ الناسِ به وازوِرارِهم عنه وانطوائِهم له على البغضِ والحقدِ والحسدِ وصنوفِ الأذى وعدّهم إيّاه خنزيراً من خنازيرِ البشر أو مجنوناً من صرعى الأثرة والأنانية وحبِّ الذات، وبالحريّ لا خير فيه لأحد ولا لنفسه وإنما هو لا يعدو