للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أكثرُ من هذا، وقال أجملهم محضراً: يُكشف لأبي زُنْبور قصتُه، ويرسم له طردُه وحِرمانُه، فقال ابن الفرات: ما أبعدَكم من الحرية والخيريّة، وأنفر طباعكم عنها! رجلٌ توسّل بنا وتحمّل المشقّة إلى مصر في تأميلِ الصّلاح بجاهنا، واستمدادِ صنعِ الله عزّ وجلّ بالانتساب إلينا، ويكون أحسنُ أحواله عند أحسنكم محضراً تكذيبَ ظنّه وتخييبَ سعيِه! والله لا كان هذا أبداً، ثم إنه أخذ القلم من دواتِه ووقّع على الكتاب المزوّر: هذا كتابي، ولست أعلم لم أنكرتَ أمرَه واعترضَتْك شبهةٌ فيه! وليس كل من خدمنا وأوجب حقاً علينا تعرفه! وهذا رجل خدمني في أيام نكبتي، وما أعتقده في قضاء حقّه أكثر ممّا كلّفتك في أمره من القيام به، فأحسِنْ تفقُّدَه ووفّر رِفدَه وصَرِّفْه فيما يعود عليه نفعُه. . . وردّه إلى أبي زُنبور من يومه، فلما مضت على ذلك مدة طويلة دخل على أبي الحسن بن الفرات رجل ذو هيئة مقبولة وبِزّةٍ جميلة، وأقبل يدعو له ويثني عليه ويبكي ويقبّل الأرض، فقال له ابن الفرات: من أنت بارك اللهُ فيك! - وكانت هذه كلمته - فقال: صاحب الكتاب المزوّر إلى أبي زُنبور، الذي صحّحه كرمُ الوزير وتفضُّله، فعل الله به وصنع، فضحك ابن الفرات، وقال: كم وصل إليك منه؟ قال: وصل إليّ من ماله ومما قسّطه على عُمّاله وعملٍ صرّفني فيه، عشرون ألف دينار، فقال ابن الفرات: الحمدُ لله، الْزَمنا، فإنا نعرِّضك لما يزداد به صلاحُ حالك، ثم اختبره فوجده كاتباً مبيناً، فاستخدمه وأكسبه مالاً جزيلاً. . .