وقدح، وقوله: وإن أفتاك الناس: أي وإن جعلوا لك فيه رخصة وجوازاً
وقال زهير بن أبي سُلمى:
والإثمُ مِن شرِّ ما يُصالُ به ... والبِرُّ كالغَيْثِ نَبْتُهُ أَمِرُ
ما يُصال به: ما يُفتخر به، وأمِرُ: كثير مبارك ومن أسماء الله البَرُّ - بفتح الباء - ومعناه الواسع الخير، وقوله تعالى:{لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}، فمعناه: لن تنالوا برَّ الله، أي لن تنالوا خيري الدنيا والآخرة حتى تنفقوا مما تحبون، أما خيرُ الدنيا فهو ما ييسره الله للعبد من الهدى والنعمة، وأما خيرُ الآخرة فهو الفوز بالنعيم الدائم في الجنة، أو تقول:
لن تنالوا حقيقة البرِّ - أي الخير - حتى تنفقوا مما تحبون. . . والأبرار: الأخيار، جمع بَرّ، وقد قوبلت كلمةُ الأبرار بالفُجّار في قوله تعالى:{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ}. وإن الفُجّار لفي جحيم - والفجار: الذين ينبعثون في الشرور والآثام - وحج مبرور: مقبولٌ يُجازى بالبر، أي الثواب، أي خير الآخرة؛ وبَرّ في يمينه أي صدق، أي كان خيّراً فيه بهذا الصدق.
وبعد فكل ما أوردوه من معاني البر فإلى الخير مردُّه. . .
ولهم في البر مطلقاً، أي الخير غير مقيد بلون من ألوانه، عبقريات وذخائر، فمن ذلك قول الحطيئة:
مَنْ يَفْعَلِ الخيرَ لا يَعْدَمْ جوازِيَهُ ... لا يَذْهَبُ العُرفُ بين اللهِ والناسِ
جوازيه: جمع جازية اسمُ مصدرٍ للجزاء، كالعافية، أي لا يعدم جزاءً عليه قال أبو عمرو بن العلاء: لم يقل العرب بيتاً قطُّ أصدق من بيت الحطيئة هذا، فقيل له: فقول طرفة بن العبد:
سَتُبْدِي لك الأيامُ ما كنتَ جاهلاً ... ويأتيكَ بالأخبارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ