للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأرض، فإذا شهدوا لإنسانٍ بخيرٍ أو بِشَرٍّ، فلكل نفسٍ ما كسبت وعليها ما اكتسبت، وكلٌّ مجزيٌّ بعمله، إن خيراً فخيرٌ وإن شراً فشَرٌّ، وهذا كله حقٌّ لا سبيلَ إلى الإلحاد فيه. . . وشيء آخر، وهو أن من كان شعارُه خوفَ الله في السرِّ والعلن وحسنت سريرتُه، رشد وحسنت سيرتُه، ومن عرّاه اللهُ من هذا الشعار وساءت سريرتُه، غيَّ وساءت سيرتُه. وجملةُ القولِ: أن خوف الله وما يستتبعه من قلَّة الاكتراثِ لما سواه من الخَلق في سبيل الحقّ، مما يورّث صاحبه ما يطلقون عليه اليوم الشجاعة الأدبيّة فضلاً عن الجُرأة والإقدام وسائر الخلال الكريمة النبيلة. فخوف الله كما ترى أسٌّ من أسس الأخلاق، وهذا مصداق الحديث الشريف، رأس الحكمة مخافةُ الله،. . .

هذا، وقد يظنُّ ظانٌّ أنّ مخافةَ اللهِ مغزاها الخوفُ من عقابه والطمعُ في ثوابه، فمن عمل صالحاً فكي يُثابَ ويُجزى الجَزاء الأوفى، ومن أقلع فلكي ينجو من عذاب النار، وهذا لعمري، وإن عدَّ خوفاً بيدَ أنّه أدنى درجات الخوف، وهو خوف العامة وأشباه العامة. قال بعض الحكماء: إني لأستحي من ربي أن أعبدَه رجاءَ الجنّة فأكونَ كالأجير، أو خوفَ النارِ فأكونَ كعبدِ السّوء، إن خاف عمل، وإن لم يخف لم يعمل، لكن يستخرج منّي حبُّ ربي ما لا يستخرجه غيرُه. . . وقال بعضهم: من عبد اللهَ بعِوضٍ فهو لئيم. وقال بعض الصوفيّة: لو لم يكن للله ثوابٌ يُرجى ولا عقابٌ يُخشى لكانَ أهلاً أن لا يُعصى، ويذكر فلا ينسى، بلا رغبٍ في ثوابٍ ولا رهبٍ من عقابٍ، لكن لحبه، وهو أعلى الدرجات، أما تسمع قول موسى عليه السلام: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}، أقول: إذن فأفضل الأعمال ما كان