{وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} ومستعتب: مصدر ميميٌّ معناه طلبُ الرّضا، تقول: استعتب فلاناً: إذا طلبتُ منه العُتبى، وهي الرضا: يريد: ليس بعد الموت من استرضاءٍ، لأن الأعمال بطلت وانقضى زمانُها، وما بعد الموت دارُ جزاءٍ لا دارُ عملٍ.
وقال أبو العتاهية:
يا عَجباً للناسِ لو فكَّروا ... وحاسَبُوا أَنفُسَهم أبْصَروا
وعَبَرُوا الدُّنيا إلى غيرِها ... فإنّما الدُّنيا لهم مَعْبَرُ
الخيْرُ ممّا ليسَ يَخْفَى هو ال ... مَعروفُ والشَّرُّ هو المُنْكَرُ
والمَوْعِدُ المَوتُ وما بعدَه ال ... حَشْرُ فذاكَ المَوْعِدُ الأكْبَرُ
لا فَخْرَ إلا فخرُ أهْلِ التُّقَى ... غَداً إذا ضَمَّهُمُ المَحْشَرُ
لَيَعْلَمَنَّ الناسُ أنَّ التُّقى ... والبِرَّ كانا خيْرَ ما يُذْخَرُ
عجِبْتُ للإنسانِ في فَخْره ... وهْو غدا في قَبْرِه يُقْبَرُ
ما بالُ من أوَّلُهُ نُطْفةٌ ... وجيفةٌ آخِرُه يَفْخَرُ
أصْبَحَ لا يَمْلِك تقديمَ ما ... يَرْجو ولا تأخيرَ ما يَحْذَرُ
وأصْبحَ الأمْرُ إلى غيرِه ... في كلِّ ما يُقْضَى وما يُقْدَرُ
أما قوله: يا عجباً للناس لو فكّروا. . البيت، فمأخوذٌ من قولهم: الفِكرة مرآةٌ تريك حَسنَك من قبيحك؛ ومن قول لقمانَ لابنه: يا بنيَّ، لا ينبغي لعاقلٍ أن يُخليَ نفسَه من أربعة أوقاتٍ، فوقتٌ منها يناجي فيه ربَّه، ووقتٌ يحاسب فيه نفسَه، ووقت يكسب فيه لمعاشِه، ووقت يُخلي فيه بين نفسِه وبين لذَّتها ليستعينَ بذلك على سائر الأوقات. وقوله: وعبروا الدنيا إلى غيرها. . . البيت مأخوذٌ من قول الحسن البصري: اجعل الدنيا كالقنطرةِ تجوز عليها ولا تَعْمُرُها،