للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والله إني لصديق، فنهض الرجل وبيده سيف وكيس يسوق جارية، وفتح الباب وقال: ما شأنك؟ قال: راعني أمر، قال: لا بك ما ساءك، فإني قد قسمت أمرك بين صديق: فهذا المال، وبين عدو: فهذا السيف، أو مشوق: فهذه الجارية. فقال الرجل: لله بلادك، ما رأيت مثلك. . . أقول: هذه لعمري هي أخلاق السادة النبلاء ذوي البر والمروءة والوفاء والحزم والظرف، وكون - وجود - أمثال هؤلاء من ذوي الإنسانية العالية هو الذي يحسن ظننا بالحياة ويجمّلها في أعيننا، ويجعلها محتملة مطاقة، لا كما نرى اليوم. . وقال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت يصف رجلاً قليل الخير أي لا خير فيه:

أبى لك فِعْلَ الخيْرِ رَأْيٌ مُقَصِّرٌ ... ونَفْسٌ أضَاقَ اللهُ بالخير باعَها

إذا ما أرادته على الخيرِ مَرَّةً ... عصاها وإن هَمَّتْ بِشَرٍّ أطاعها

ومن قولهم في قليل الخير:

هُوَ فِي الخيْرِ قَطُوفٌ ... وَهْوَ في الشَّرِّ وَسَاعُ

القطوف من الإنسان والحيوان: البطيء المتقارب الخطو، ووساع: واسع الخطو سريع السير ومن قولهم في المتساويين في الخير والشر. هما كفرسي رهان، وهذا في الخير، وأما في الشر فيقال: هما كحماري العبادي. والعبادي: رجل من العباد، وهم قوم من قبائل شتى من بطون العرب اجتمعوا على النصرانية فأنفوا أن يتسموا بالعبيد وقالوا: نحن العباد، وقد نزلوا بالحيرة ومنهم عدي بن زيد العبادي الشاعر المشهور. أما هذا العبادي فيروى أنه قيل له - أي حماريك شرٌّ؟ فقال: هذا، ثم هذا!.