وطاعةُ أمْره واجْتنابُ نَهْيِه، ومُوالاةُ مَنْ أطاعَه، ومُعاداةُ مَنْ عَصاه وما إلى ذلك مِمّا تَرْجعُ عائدتُه في الحقيقة إلى العبد، فهي نصيحةٌ إلى نفسه وكسبُ خيرٍ لها؛ والنصيحةُ لكتابه: الإيمانُ بأنّه من عند الله، وتحليلُ ما حلَّله وتحريمُ ما حرَّمه، والاهْتداءُ بما فيه، إلى أمثالِ ذلك؛ والنصيحةُ للرسول: تَصديقُه والاسْتنانُ بسُنَّتِه، إلى آخره؛ والنصيحةُ لأئِمّة المسلمين - والمُراد بهم أولوا الأمْر - إعانتُهم على الحَقِّ ونُصْحُهم في رفقٍ وعدلٍ، إلى آخره، والنصيحة لعامة المسلمين: إرشادُهم إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة.
وقال حكيم: لا تُشيرَنَّ على عدوِّك وصديقِك إلا بالنَّصيحة، فالصديقُ تقضي بذلك حَقّه والعدوُّ يَهابُك إذا رأى صوابَ رأيك. . .
وقال آخر: إذا استشارك عدوُّك فجرِّد له النصيحةَ، لأنّه بالاستشارةِ قد خرج من عداوتِك إلى مُوالاتك. .
ويُروى: أنّ زيادَ بنَ أبيه كتب إلى معاويةَ: يا أمير المؤمنين، قد ضبطْتُ لك العراق بشِمالي وفرغَتْ يميني لطاعتِك، فولِّني الحجازَ، فبلغَ ذلكَ الرجلَ الصالحَ عبدَ اللهِ بنَ عمرَ رضي الله عنه، - وكان مُقيماً بمكة - فقال: اللهمَّ اشْغلْ عنّا يمينَ زياد، فأصابه الطاعونُ في يمينه، فجمع الأطباءَ واستشارَهم، فأشاروا عليه بقَطْعِها، فاستدعى القاضي شُرَيْحاً وعرضَ عليه ما أشار به الأطِبَّاء، فقال: لك رزقٌ معلومٌ، وأجلٌ محتومٌ، وإنّي أكره إنْ كانت لك مدّة أنْ تعيشَ في الدنيا بلا يمين، وإنْ كانَ قد دنا أجلُك أن تلقى ربَّك مقطوعَ اليدِ، فإذا سألك لِمَ قطعْتَها قلتَ: بُغْضاً في لقائِك، وفِراراً من قضائِك، فمات زيادٌ من يومِه، فلامَ الناسُ شُرَيْحاً على منعه من القطع، لبُغْضِهمْ زياداً، فقال: إنّه استشارَني والمُستشارُ مؤتمن.