العقل لوجب التَّمسُّكُ به. . . وقال عبد الملك بن صالح: ما اسْتَشَرْتُ أحداً قطٌّ إلا تكبَّرَ عليَّ وتصاغَرْتُ له، ودخلَتْه العِزّةُ ودَخلَتْني الذِّلَّةُ، فعليكَ بالاسْتِبْدادِ، فإنَّ صاحبَه جليلٌ في العُيون، مَهيبٌ في الصُّدورِ، واعْلمْ أنّكَ مَتى اسْتَشَرْتَ تَضَعْضَعَ شأنُك، ورَجَفَتْ بكَ أركانُك؛ وما عزَّ سلطانٌ لم يُغْنِه عقلُه عن عقولِ وزرائِه، وآراءِ نُصَحائه؛ فإيّاك والمشورةَ وإنْ ضاقَتْ عليكَ المذاهبُ، واشتبَهَتْ لديكَ المَسالك.
ورَوَوْا: أنّ أبا جعفرٍ المنصور كان يَستشيرُ أهلَ بيتِه حتّى مدَحَه ابْن هَرْمة بقوله:
يَزُرْنَ امْرأً لا يُصْلِحُ القومُ أمْرَه ... ولا يَنْتَجي الأدْنَيْنَ فيما يُحاوِلُ
فاستوى جالِساً وقال: أصبْتَ واللهِ! واستعادَه، وما اسْتَشار بعدها.
وقال بعضُ جُلساءِ هارونَ الرشيد. أنا قتلتُ جعفرَ بنَ يحيى البَرْمكي وذلك أنّي رأيْتُ الرشيدَ وقدْ تَنفَّسَ تَنفُّساً مُنكراً فأنشدت في إثْر تَنَفُّسه:
واسْتَبدَّتْ مَرّةً واحِدةً ... إنّما العاجِزُ مَنْ لا يَسْتَبِدْ