للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والخُروج، فرأوا له الخروجَ، وكان صلواتُ الله عليه يرى أن يقيمَ بالمدينة فيقاتلَهم فيها، فما زالوا برسولِ الله حتّى لبِس لأْمَتَه فلما لبِسها نَدِموا وقالوا: يا رسول الله أقمْ فالرأيُ رأيُك، فلم يَمِلْ إليهم بعد العزْمِ وقال: لا ينبغي لنبيٍّ يلبس لأْمَتَه أن يضعَها حتّى يحكمَ الله. . . . وكذلك كان الخلفاء الراشدون يَستشيرونَ الأمناءَ من أهل العلم في الأمور التي لم يكن فيها نَصٌّ بحكمٍ معين ليأخذوا بأيسرها، فإذا وضح الكتاب والسنّة لم يتعدَّوْه إلى غيره، فقد كان أبو بكر رضي الله عنه إذا ورد عليه أمرٌ نظر فإن وجد في كتاب الله أو سُنّة رسوله ما يقضي به قضى وإلا دَعا رؤوس المسلمينَ وعلماءَهم واستشارهم، وكذلك كان يفعل الفاروق وسائر الخلفاء رضي اللهُ عن الجميع

قالوا: وكانت الرومُ والفرسُ لا يجمعون وزراءَهم على الأمر يستشيرون فيه، وإنّما كانوا يستشيرون الواحدَ منهم من غير أن يعلم الآخرُ به؛ وذلك لمعانٍ: منها أن لا يقعَ بين المستشارينَ منافسةٌ تذهب بأصالةِ الرأيِ وصحة النظرِ، لأنّ من طباع المشتركين في الأمر التّنافسَ والتّغالبَ والطَّعن من بعضهم على بعض، وربّما أشار أحدُهم بالرأيِ الصوابِ وسبق إليه فحسَدَه الآخرون فتَعقبّوه بالإعراضِ والتأويلِ والتهجينِ وكدّروه وأفسدوه ومنها أنّ في اجتماعِهم على المشورةِ تعريضَ السّرِّ للإضاعة والإفشاءِ والإذاعةِ ولذلك قالت الفرس: إنّما يُراد الاجتماعُ والكثرة والتآصُرُ في الأمور التي يُحتاج فيها إلى القوة، أمّا الأمورُ الغامضة فإنّ الاجتماع يُفسدُها ويولِّد فيها التضاغُنَ والتنافسَ. . .

وجاء في كتابٍ للهِنْد: أنّ ملكاً استشار وزراءَ له، فقال أحدهم: