قالوا: ولنْ يتمَّ حِلمُ الإنسان إلا بإمساك الجوارح كلِّها: اليدِ عن البطش، واللسانِ عن الفحش، والعينِ عن النظرِ الشَّزْر، وأقرب لفظ يقابل الحلم هو التذمُّر. وقال أبو هلال العسكري: ومن أشرف نعوتِ الإنسان أن يُدعى حليماً، لأنه لا يُدعاه حتى يكون عاقلاً وعالِماً ومصطبِراً وعفوّاً وصافحاً ومُحْتمِلاً وكاظِماً، وهذه شرائِفُ الأخلاقِ وكرائِمُ السَّجايا والخِصال.
والحلمُ: منه ما هو غريزيٌّ، وهو هبةٌ من الله لعبده يعفو عمَّن ظلمه، ويصِلُ من قَطَعه، ويُحسن إلى من أساءَ إليه، يَصدُرُ في ذلك عن نحيزةٍ كريمةٍ وغَريزةٍ سليمة وصدرٍ سالمٍ من الغوائل والأذى، صافٍ من شوائبِ الكدرِ والقَذى، وهذا هو الحلم الذي لا يُستطاع تعلُّماً ولا يُكْتسب تحلماً:
وإذا الحِلْمُ لَمْ يكُنْ في طِباعٍ ... لَمْ يُحَلّمْ تقادُمُ الميلادِ (المتنبي)
رُوي أنّ سيدنا رسول الله قال لأشجِّ عبد القيس:(يا أبا المنذر، إنَّ فيك خِصلتين يرضاهما الله ورسوله: الحِلْمُ والأناة فقال: يا رسول الله، أشيءٌ جَبلني اللهُ عليه أم شيءٌ اخترعْتُه من قِبلِ نفسي؟ قال: بل شيءٌ جبلك الله عليه قال: الحمد للهِ الذي جبلني على خُلقٍ يرضاه الله ورسوله) وهناك من يقول: إن الحلم ليس غريزةً ولا طبيعةً بل مكتسبٌ مستفاد. وأيّاً كان
الحال فليس من يُنكر أن من الحِلمِ ما هو غريزيٌّ كما قلنا، كما أنّ هُناك حِلْماً يُكتسب بالتَّحلّم كما أن العلم بالتعلُّم