للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أراد بالتَّساوي التحزُّبَ والتَّفرقَ وأنْ لا يجتمعوا على إمامٍ ويدعيَ كلُّ واحد الحقَّ لنفسه فينفردَ برأيه. . . وقال أبو عبيد: أحسب قوله: فإذا تساووا هلكوا، لأنّ الغالبَ على الناس الشرُّ، وإنّما يكون الخير في النادر من الرجال، لعزَّته، فإذا كان التساوي فإنّما هو في السُّوء. . . وقال شاعر:

النَّاس أخْيافٌ وشتَّى في الشِّيَمْ ... وكلُّهُمْ يَجْمعُهمْ بيتُ الأدَمْ

أخْياف: ضروبٌ مختلفة الأخلاق والأشكال. والأدم. قيل: أراد آدم، وقيل الأرض، ولعله يشير بهذا إلى ما جاء في الأثر: كلُّكم لآدم وآدم من تراب، وقال مسلم بن الوليد:

الناسُ كلُّهمُ لِضنءٍ واحِدٍ ... ثمّ اختلافُ طبائعٍ في أنْفُسِ

الضنء: الأصل وقالوا: الناس في اختلافهم في خُلْقهم كاختلافِهم في خَلْقهم. وقال خالد بن صفوان: الناس أخْيافٌ، منهم من هو كالكلبِ، لا تراه الدهرَ إلا هرَّاراً على الناس، ومنهم كالخنزير، لا تراه الدهرَ إلا قَذِراً، ومنهم كالقرد، يضحك مِنْ نفسه. وقال بعضهم: الناس أخياف: عِلْق مَضِنَّة لا يُباع، وعِلقُ مَظِنَّة لا يُبتاع، وقال أبو العتاهية:

مَن لَكَ بالمَحْضِ ولَيْسُ مَحْضُ ... يَخْبُثُ بَعْضٌ ويَطيبُ بَعْضُ

وقديماً قُلْتُ فيما قلتُ، في كتابي الفردوس: ولِمَ لا يكون هذا الاختلاف في الحياة الدنيا بين الأفراد والجماعات إنّما يُقصد به إلى مَعنىً جميلٍ ما منه بدٌّ! ألَسْنا قد نُشِّئنا كأنغامِ آلاتِ الموسيقى، هي وإن اختلفت غيرَ أنّ اجتماعها يؤلِّف من هذا الاختلاف نغماً موسيقياً متجانساً بديعاً يُطرب السمعَ ويملِكُ على المرء مشاعرَه. ولعلَّ الأصلَ في هذا كله قولُه عزَّ وجلَّ: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً}. . . وقوله: