لبعضهم: أسأتَ الظَّنَّ! فقال: إنَّ الدُّنيا لمّا امْتلأتْ مَكارِهَ وجبَ على العاقلِ أن يملأَها حَذَراً. . . .
ولمَّا رأوا أنّ الظنَّ هو الغالبُ على الناس وأنّه لذلك يكادُ يكون غريزةً من الغرائزِ الإنسانية، وأن تحقيقَه ولا سيَّما بين الأصدقاء يعدُّ من الإفراط المَمْقوت، وأنّه لا يليق بمكارِمِ الأخلاق، ذمُّوه ونَعَوْه على أهله، قال تعالى:{اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}. وقال سيدنا رسول الله:(ثلاثةٌ لا يسلم منهنَّ أحدٌ: الطِّيرةُ، والظّنُّ، والحَسدُ، قيل: فما المَخْرَجُ منهنّ يا رسول الله؟ قال: إذا تطيَّرْتَ فلا ترجع، وإذا ظنَنْتَ فلا تُحقّق، وإذا حسدت فلا تَبْغِ). . . . وقال صلوات الله عليه:(إيّاكم والظّنَّ فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديث) وقال ابن الأثير في النهاية: أراد: إيّاكُمْ وسوءَ الظنِّ وتحقيقَه، دون مبادئ الظنون التي لا تُملَك وخواطر القلوب التي لا تُدفع، وقيل: أراد: الشكَّ يعرض لكَ في الشيْء
فتحقّقَهُ وتحكمَ به.
وأكذب الحديث: أي حديث النفس؛ لأنه يكون بإلقاء الشيطان في نفس الإنسان وقال المتنبي:
إذا ساَء فِعْلُ المَرْءِ ساَءتْ ظُنونُه ... وصدَّقَ ما يعْتادُه مِنْ تَوَهُّمِ
وعادى مُحبّيه بقولِ عِداته ... فأصْبَحَ في داجٍ من الشَّكِّ مُظْلمِ
وقال شاعر:
مَنْ ساَء ظنّاً بما يَهْواه فارقَه ... وحَرَّضَتْه على إبْعادِه التُّهَمُ
ومن هنا مدحوا التثبُّتَ والتغافل. وترى سائر عبقرياتهم في الظن في باب الطبائع وباب الإخوانيات.