وقالوا: القائدُ العظيم ينبغي أن تكون فيه خصالٌ من أخلاق الحيوان: شجاعةُ الدّيك، وتحنُّن الدّجاجة، وقلبُ الأسد، وحَمْلةُ الخنزير، ووروغانُ الثَّعلب، وخَتْلُ الذِّئْبِ، وجمع الذَّرَّة، وبُكور الغراب.
وقال المهلَّب بن أبي صفرة لبنيه: عليكم في الحرب بالمكيدة فإنَّها أبلَغُ من النجدة. . .
وسُئل بعض أهل التَّمرُّس بالحروب: أيُّ المكايد فيها أحْزَمُ؟ فقال: إذْكاءُ العُيون، - بثُّ الجواسيس - وإفشاءُ الغَلبة واسْتِطْلاعُ الأخبار، وإظْهارُ السرور، وإماتةُ الفَرَقِ - الخوف - والاحتراس من البِطانَةِ، من غير إقْصاءٍ لمُسْتَنْصِحٍ ولا اسْتِنْصاحٍ لمُسْتَغِشٍّ، وإشغال الناس عمّا هم فيه من الحروب بغيره.
وكان مالك بن عبد الله الخَثْعَميُّ وهو على الصَّافَّة - الجماعة تُقام وتُصَفُّ للحرب - يقوم في الناس - إذا أراد أن يرحل - فيحمدُ اللهَ ويثني عليه، ثم يقول: إنَّي دارِبٌ بالغَداةِ دَرْبَ كذا، فيتفرقُّ الجواسيسُ عنه بذلك، فإذا أصبح سلكَ بالناس طريقاً غيرها، فكانت الروم تسمّيه: الثعلبَ. . .
وقال حكيمٌ: اللُّطْفُ في الحيلة، أجدى للوسيلة.
وقالوا: مَنْ لمْ يتأملِ الأمرَ بعينِ عقلِه لم يقع سيفُ حيلتِه إلا على مقاتِلِه والتثبُّتُ يُسَهِّلُ طريق الرأي إلى الإصابة، والعجلةُ تَضْمَنُ العَثْرةَ.
وبعدُ فإنّ هذا الباب متَّسعٌ جداً، ومن أحبَّ التوسُّعَ فيه والوقوفَ على أخبارهم في المكايد، وأساليبهم العجيبة فيها فعليه بالموسوعات - مثل نهاية الأرب للنويري، وعيون الأخبار لابن قتيبة، وبكتب التاريخ، فتلك مجالاتها.