للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعني: أنّه يجتنِبُها في طُهْرها وهو الوقت الذي يستقيم له غِشيانُها فيه. وفي هذا المعنى يقول الأعشى من كلمة له يمدح بها هَوْذةَ بن علي الحنفيّ:

وفي كلِّ عامٍ أنْتَ جاشِمُ غَزْوةٍ ... تَشُدُّ لأقْصاها عَزيمَ عَزائِكا

مُوَرِّثةً مالاً وفي الحَيِّ رِفْعةً ... لِما ضاعَ فيها من قُروءِ نسائِكا

جاشم اسم فاعل جَشِمَ الأمرَ - بالكسر - تكلَّفه على مشقَّةٍ، والعزيمُ كالعزيمة مصدر عَزَمَ على الأمر: جَدَّ في عمله، والعزاء: الصبر. يقول الأعشى: أنت في كل عام تكلِّف نفسَك الغزوَ واقتحامَ مكارهِه تَشدُّ وتوثِّق عزيمةَ صبْركَ لأقْصاها، أي أبعدها وأعلاها، أو غايتها ومنتهاها، وهذه الغزوات تورثك مالاً كثيراً بغنائِمِها، ورِفْعةً لك في الحيِّ. والقُروء جمع قَرْء وهو: الطُّهر هنا، وقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} اختلف العلماء فقال الحجازيّون القُروء: الأطهار، وقال أهل العراق الحيضُ، أما في قول الأعشى فالقُروء الأطهار لا الحيض لأن النساء إنّما يؤتَيْنَ في أطْهارِهَنَّ لا في حيضهنَّ فإنّما ضاع بغزوه وغلبتِه عنهنَّ أطهارُهُنَّ. هذا واللام في قوله: لِما ضاع فيها لامُ العاقبة مثلها مثل اللام في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، وقوله تعالى: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} هذا وقوله تعالى {ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} قال الأصمعي: جاء هذا على غير القياس والقياس: ثلاثة أقْرُء ولا يجوز أن يقال ثلاثة فلوس، إنما يقال: ثلاثة أفلُس فإذا أكثرت فهي الفلوس، ولا يقال: ثلاثة رجال إنما هي ثلاثة رَجِلَةٍ ولا يقال ثلاثة كلاب إنَّما هي ثلاثة أكلُب. وقال النحويون: في قوله تعالى: {ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} أراد بها ثلاثةً من القروء