تحفي الإسلام بالإحسان: وكما أن صلة الرحم بعامة، وبرَّ الوالدين بخاصة، مما تحفّى به الإسلام كل التحفّي، حتى قرنه بالتوحيد وبالتقوى، ترى هذا الدين الحنيف، لقد تحفّى كذلك كل التحفّي بالإحسان إلى مستحقيه، وذمَّ الشُّحَّ ونَعاه، على أهليه، وامتدح الجود ونوّه به كل التنويه، حتى قرن ذكره بالإيمان، ووصف أهله بالفلاح، والفلاح اسم جامع لسعادة الدارين، فقال سبحانه وتقدس:{الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ، أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. .
وقال في وصف الأنصار: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. . . الخصاصة: الفقر، ويوقى: يُصان وقال عز وجل: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ
وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، إلى أن قال سبحانه:{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ}. . . الآيات. . . قوله سبحانه:{كَمَثَلِ حَبَّةٍ}. . . الآية، فإن ذلك تمثيلٌ لا يقتضى وقوعه، والجنة: البستان، والربوة: الموضع المرتفع، وشجره في العادة يكون أحسن منظراً وأزكى ثمراً، والوابل: المطر العظيم وقال: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}، {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}. والبر ههنا: فهو برُّ الله، أي خير الدنيا والآخرة، أي السعادة والفلاح والفوز، أو تقول: لن تنالوا البر: أي لن تنالوا حقيقة البر حتى تنفقوا مما تحبون.