أما إتجاه الشرق أو الغرب فيمكن تحديدهما في النهار من خلال مراقبة الشمس فهي تطلع من اتجاه الشرق وتغيب في اتجاه الغرب بشكل تقريبي. ويمكن تحديد إتجاهي الشرق والغرب في أي مكان على سطح الأرض بشكل دقيق عند الاعتدالين الربيعي والخريفي حيث تطلع الشمس من الشرق وتغيب في الغرب تماماً. أما في الليل فيمكن تحديد اتجاه الغرب من مراقبة القمر، وكذلك البروج والكواكب، فالقمر كالشمس يتحرك في اتجاه الغرب بشكل تقريبي إلى أن يغيب فيه. ويمكن استخدام دائرة البروج للاستدلال على الشرق والغرب حيث أن الخط الواصل بين ثلاثة بروج متجاوره يشير إلى اتجاه الشرق والغرب بشكل تقريبي ويمكن تحديد الشرق من الغرب بعد ذلك من ترتيب تلك البروج لمن يعرفها. وقال جل وعلا: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ). والبروج هي مجموعة أو تشكيلات متقاربة من النجوم الظاهرة، ويشاهد في السماء اثنا عشر برجاً ويكون تخيل هذه الأبراج على صورة حيوان أو صورة آلة في رؤية العين؛ فسميت كل مجموعة باسم تلك الصورة التى هي عليها. وهي منازل تمر فيها الشمس في دورتها السنوية، وتتشكل خلال هذه الدورة الفصول الأربعة. فمدة زمان الربيع تكون بسير الشمس في ثلاثة أبراج وهي: الحمَل والثور والجوزاء. ومدة زمان الصيف مسير الشمس في ثلاثة أبراج هي: السرطان والأسد والسنبلة. ومدة زمان الخريف مسير الشمس في ثلاثة أبراج هي: الميزان والعقرب والقوس. ومدة زمان الشتاء مسير الشمس في ثلاثة أبراج وهي: الجَدْي والدَلْو والحوت. وقد أشار بعضهم لها على الترتيب فقال: حَمَلَ الثَّوْرُ جَوْزَةَ السَّرَطَانِ ... وَرَعَى اللَّيْثُ سُنْبُلَ الْمِيْزَانِ وَرَمَى عَقْرَبٌ بِقَوْسٍ لِجَدْيٍ ... نَزَحَ الدَّلْوُ بِرْكَةَ الْحِيْتَانِ وسميت هذه المنازل بالبروج -وهي القصور العالية-؛ لأنها للكواكب السيارة كالمنازل الرفيعة لسكانها، واشتقاقها من التبرج؛ وهو الظهور، لأن أصل معنى البرج: الأمر الظاهر، من التبرج، ثم صار حقيقة في العرف للقصر العالي؛ لظهوره، ويقال: لما ارتفع من سور المدينة برج أيضًا. والشمس تقطع هذه البروج كلها مرة في السنة، كل برج في شهر، وبها تتم دورة الفلك، ويقطعها القمر في ثمانية وعشرين يومًا وكسور. فكل برج له منزلتان وثلث. ولكلّ فصل من الفصول الأربع سبعة منازل. ولا يظهر على القبة السماوية في الليل إلا ستة من هذه البروج يغيب واحداً منها كل شهر ويطلع مقابله برج جديد. والشمس بضوئها الوهاج تحول دون رؤية البرج الذي يقع خلفها تماماً، ويقال حينئذ أن الشمس قد نزلت في ذلك البرج. ويستدل على نزول الشمس في أحد البروج من خلال مراقبة البرج المقابل له تماماً على فلك البروج (١٨٠ درجة) أو ما يسمى بالرقيب. فرقيب الحمل هو الميزان وكذلك العكس، ورقيب الثور هو العقرب، وهكذا لبقية الأبراج. وعلى ذلك فإنه يمكن تحديد منزل الشمس في أي وقت من خلال معرفة البرج الرقيب الذي يطلع من جهة الشرق عند غياب الشمس، أو الذي يسقط في الغرب عند شروق الشمس. والشَّمْسُ تَطْلُعُ مِنْ الْمَشْرِقِ، وَتَغْرُبُ فِي الْمَغْرِبِ، وَتَخْتَلِفُ مَطَالِعُهَا وَمَغَارِبُهَا، عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ مَنَازِلِهَا، والشمس لا تكسف إلا آخر الشهر القمري، وعندما تكون الشمس في جهة الشمال يطول النهار ويشتد الحر ويقصر الليل، وعندما تكون في الجنوب يكون عكس ذلك. والعلم المحمود في النجوم هو: الْعِلْمُ بِأَسْمَاءِ الْكَوَاكِبِ، وَمَنَاظِرِهَا، وَمَطَالِعِهَا، وَمَسَاقِطِهَا، وَسَيْرِهَا، وَالاهْتِدَاءُ بِهَا، وَانْتِقَالُ الْعَرَبِ عَنْ مِيَاهِهَا لأَوْقَاتِهَا، وَتَخَيُّرُهُمُ الأَزْمَانَ لِنِتَاجِ مَوَاشِيهَا، وَضِرَابِهِمُ الْفُحُولَ، وَمَعْرِفَتُهُمْ بِالأَمْطَارِ عَلَى اخْتِلافِهَا، وَاسْتِدْلالُهُمْ عَلَى مَحْمُودِهَا وَمَذْمُومِهَا، وَالتَّوَصُّلُ إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ بِالنُّجُومِ، وَمَعْرِفَةُ مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ، وَسَاعَاتِ اللَّيْلِ بِظُهُورِهَا وَأُفُولِهَا. فَالْعَرَبُ تَعْرِفُ أَوْقَاتَ الْمَطَرِ وَالرِّيَاحِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ بِمَطَالِعِ النَّجْمِ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ فَضِيلَةٌ بَيِّنَةٌ، وَإِذَا رَأَوُا السَّحَابَ عَرَفُوا: هَلْ هِيَ ذَاتُ مَطَرٍ أَمْ لا؟ وَهَلْ مَطَرُهَا كَثِيرٌ أَوْ غَيْرُ كَثِيرٍ؟ وَهَلْ هِيَ مِمَّا قَدْ أَهْرَاقَ مَاءَهُ أَوْ مَاؤُهُ فِيهَا؟ فَكَمْ مِنْ قَوْمٍ أوشكوا على الضياع والْهَلاكِ، فَأَنْجَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالاسْتِدْلالِ بِنَجْمٍ أَمُّوهُ وَوَجْهٍ قَصَدُوهُ، وَبِهِ يُعْرَفُ وَقْتُ النِّتَاجِ، وَوَقْتُ تَأْبِيرِ النَّخْلِ، وَوَقْتُ بَيْعِ الثَّمْرَةِ، وَإِقْبَالُ الْخَيْرِ وَإِدْبَارِهِ، وَأَمَارَاتُ الْخِصْبِ وَالْجَدَبِ، وَعَلامَاتُ السَّحَائِبِ الْمَاطِرَةِ وَالسَّحَائِبِ الْمُخْلِفَةِ، وَالْبُرُوقِ الصَّادِقَةِ وَالْكَاذِبَةِ، وَبِهِ يَنْتَقِلُونَ عَنِ الْمَحَاضِرِ إِلَى الْمِيَاهِ، وَعَنِ الْمِيَاهِ إِلَى الْمَحَاضِرِ. وإِنَّمَا جَاءَ التَّغْلِيظُ فِي هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَطَرَ الَّذِي جَاءَ عِنْدَ سُقُوطِ النَّجْمِ هُوَ فِعْلُ النَّجْمِ، وَلا يَجْعَلُونَهُ سُقْيًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ وَافَقَ سُقُوطَ النَّجْمِ. وَأَمَّا مَنْ نَسَبَ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَجَعَلَهُ وَقْتًا كَمَوَاقِيتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ كَانَ ذَلِكَ حَسَنًا. وقد صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ، عَلَى إثْرِ سَمَاءٍ (مطر) كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبيُّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ لَهُمْ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَال: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُوْمِنٌ بي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُوْمِنٌ بِي، كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي، مُوْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ». وإِذَا أَنْفَدَ النَّاظِرُ فِي علم الحساب الفلكي عُمُرَهُ بِإِسْهَارِ اللَّيْلِ، وَشَغَلَ الْقَلْبَ عَنِ الْمَطْعَمِ، وَالْمَشْرَبِ، وَاللَّذَّاتِ، وَالْعَمَلِ لِلدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَتَبَاعَدَ مِنَ اللَّهِ، وَرَسُولِهِ، وَمِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، كَانَ عُرْفُهُ الَّذِي انْتَهَى إِلَيْهِ، وَزُبْدَتُهُ الَّتِي مَخَضَ عَنْهَا عِلْمَ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مَتَى يَكُونُ؟ وَفِي أَيِّ وَقْتٍ يُحْدَثُ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ؟ وَمِقْدَارُ مَا يَكْسَفُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَوَقْتُ الانْجِلاءِ؟ وَهَذَا عِلْمٌ لا يَنْفَعُ اللَّهُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، ولا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى أَمْرٍ مِنَ الأُمُورِ، وَإِنَّمَا الْكُسُوفُ شَيْءٌ قَدَّرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِمَسِيرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، فَيَكُونُ بِاجْتِمَاعِهِمَا أَوْ تَقَابُلِهِمَا، وَلَيْسَ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْلَمْ وَقْتَ الْكُسُوفِ حِينَ يَكُونُ مِنْ عَيْبٍ وَلا نَقْصٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْعَيْبُ فِي الْجَهْلِ بِمَا تَعْلَمُهُ الْعَرَبُ مِنْ أَمْرِ النُّجُومِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ، فَإِنِ اسْتَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ، وَأَطْمَعَهُ فِي الْقَضَاءِ وَالأَحْكَامِ، وَاعْتَقَدَ فِي الْكُسُوفِ أَنَّهُ لِمَوْتِ أَحَدٍ أَوْ حَيَاتِهِ أَوْ حُلُولِ حَادِثَةٍ وَوُقُوعِ جَائِحَةٍ، فَقَدْ عَقِلَهُ الشَّيْطَانُ بِالْغُرُورِ، وَقَطَعَ أَسْبَابَهُ مِنَ الدِّينِ، لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَأْثَرَ بِالْغَيْبِ دُونَ أَنْبِيَائِهِ وَمَلائِكَتِهِ، إِلا مَا أَطْلَعَهُمْ عَلَيْهِ. وإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا خَلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلاثِ خِصَالٍ: جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ، وَجَعَلَهَا نَهْتَدِي بِهَا، وَجَعَلَهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينَ، فَمَنْ تَعَاطَى فِيهَا غَيْرَ ذَلِكَ، فَقَدْ أَخْطَأَ حَظَّهُ، وَقَالَ رَأْيَهُ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَإِنَّ أُنَاسًا جَهَلَةً بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ أَحْدَثُوا فِي هَذِهِ النُّجُومِ كِهَانَةً: مَنْ أَعْرَسَ بِنَجْمِ كَذَا وَكَذَا، كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَمَنْ سَافَرَ بِنَجْمِ كَذَا وَكَذَا، كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَعَمْرِي مَا مِنَ النُّجُومِ نَجْمٌ إِلا يُولَدُ بِهِ الطَّوِيلُ وَالْقَصِيرُ، وَالأَحْمَرُ وَالأَبْيَضُ، وَالْحَسَنُ وَالذَّمِيمُ". وقد جاء في الحديث: مَنْ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ، اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ، وَإِذَا ذُكِرَتِ النُّجُومُ فَأَمْسِكُوا، إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي فِي آخِرِ زَمَانِهَا ثَلَاثًا: إِيمَانًا بِالنُّجُومِ، وَحَيْفَ السُّلْطَانِ، وَتَكْذِيبًا بِالْقَدَرِ. أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ. وإِذَا قَضَى اللَّهُ أَمْرًا فِي السَّمَاءِ سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ قَالَ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ فَيُخْبِرُونَهُمْ مَاذَا قَالَ، فَيَسْتَخْبِرُ بَعْضُ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ بَعْضًا، حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ هَذِهِ السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَتَخْطَفُ الْجِنُّ السَّمْعَ فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ، فَيَسْمَعُ الكَلِمَةَ فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، ثُمَّ يُلْقِيهَا الآخَرُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، حَتَّى يُلْقِيَهَا عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ أَوِ الكَاهِنِ، فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا، وَرُبَّمَا أَلْقَاهَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ، فَيُقَالُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ لَنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا: كَذَا وَكَذَا، فَيُصَدَّقُ بِتِلْكَ الكَلِمَةِ الَّتِي سَمِعَ مِنَ السَّمَاءِ. فَمَا جَاءُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَلَكِنَّهُمْ يَقْرِفُونَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ. (٢) أي: أن النجوم ما دامت باقية، فالسماء باقية، فإذا انكدرت النجوم وتناثرت في القيامة، وهنت السماء فانفطرت وانشقت وذهبت. (٣) ذكر أهل الهيئة أنّ نور القمر هو من نور الشمس، وَالْقَمَرُ يَبْدُو أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ هِلَالًا فِي الْمَغْرِبِ، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ كُلَّ لَيْلَةٍ نَحْوَ الْمَشْرِقِ مَنْزِلًا، ثُمَّ يَطْلُعُ لَيْلَةَ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ الْمَشْرِقِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، بَدْرًا تَامًّا، وَلَيْلَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ يَبْدُو عِنْدَ الْفَجْرِ كَالْهِلَالِ مِنْ الْمَشْرِقِ، وَتَخْتَلِفُ مَطَالِعُهُ بِاخْتِلَافِ مَنَازِلِهِ. وفي كل ليلة من السنة يكون للقمر طور مختلف (قدر ما يعكسه من ضوء الشمس) مع خلفية نجمية مختلفة (ما يظهر من النجوم التي تظهر خلفه في منازله)، فلا يجتمع له ذلك الطور وتلك المنزلة معاً في ليلة أخرى طوال السنة، فهو في كل ليلة في اختلاف في مقدار ما يعكسه من ضوء الشمس مع ما يظهر خلفه من النجوم، فيعرف بذلك الوقت من الشهر والموسم من السنة. والقمر لا يخسف إلا عندما يكون بدراً في منتصف الشهر القمري. وقسّم العرب حركة القمر السنوية داخل حزام أو شريط أو دائرة الأبراج إلى ٢٨ منزلاً هي خير دليل لحركة حياتهم والاهتداء بها في مواعيد الزراعة وحصاد المحاصيل الصيد البحري للأسماك والصيد البري للحيوانات والصيد الجوي للطيور المهاجرة، ومواسم الأمطار والجفاف ومواقيت المد والجزر ومواسم فيضان الأنهار ومن خلالها كانوا يحددون مواعيد حروبهم وغيرها. وَهِيَ: الشَّرَطَانُ، وَالْبُطَيْنُ، وَالثُّرَيَّا، وَالدَّبَرَانُ، وَالْهَقْعَةُ، وَالْهَنْعَةُ، وَالذِّرَاعُ، وَالنَّثْرَةُ، وَالطَّرْفُ، وَالْجَبْهَةُ، وَالزُّبْرَةُ، وَالصَّرْفَةُ، وَالْعَوَّاءُ، وَالسِّمَاكُ، وَالْغَفْرُ، وَالزُّبَانَى، وَالْإِكْلِيلُ، وَالْقَلْبُ، وَالشَّوْلَةُ، وَالنَّعَائِمُ، وَالْبَلْدَةُ، وَسَعْدٌ الذَّابِحُ، وَسَعْدُ بُلَعَ، وَسَعْدُ السُّعُودِ، وَسَعْدُ الْأَخْبِيَةِ، وَالْفَرْعُ الْمُقَدَّمُ، وَالْفَرْعُ الْمُؤَخَّرُ، وَبَطْنُ الْحُوتِ. وكل ما ذكر من منازل القمر أو الأنواء وطوالع النجوم التي تظهر في السماء فإنما هي علامات ومواقيت، والله خالقها وهو مسبب الأسباب، ولا يكون شيء إلا أن يشاء الله سبحانه وتعالى وبتقديره جل وعلا. وقد سبق المسلمون شعوب العالم قديماً في إبداع التأمل في السماء والأرض وفق نصوص الوحي الصادق وبعيداً عن الخرافات والتخرص بغير علم، فقادهم ذلك لإبداع الحضارة واختراع الأسطرلاب وهو نموذج ثنائي البعد للقبة السماوية، يُظهر كيف تبدو السماء في مكان محدد عند وقت محدد، وتعرف به الاتجاهات والمواقيت والفصول والمواسم المختلفة. وكان المسلمون الأسبق إلى معرفة علم الحركة ونبغ فيهم ابن باجه وأبو حمزة البغدادي، والسابق في معرفة نظرية الجاذبية جعفر بن موسى وأبو الفتح الخزيني "أو الخازني"، وأصول نظرية القس البولندي "كوبرنيكوس" في الفلك موجودة سابقاً في كتب ابن رشد لا سيما كتابه السماء والعالم. وأول من فسر ظاهرة المد والجزر وربطها بحركة القمر العالم الفلكي المسلم أبو معشر البلخي في القرن الثالث الهجري.