للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[حياء موسى وإيذاء بني إسرائيل له]

وكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى سَوْأَةِ بَعْضٍ، وَكَانَ نَبِيُّ اللهِ مُوسَى - عليه السلام - رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيراً، مَا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ وَيَسْتَتِرُ إِذَا اغْتَسَلَ. فَقَالُوا: وَاللهِ مَا يَسْتَتِرُ مُوسَى هَذَا السِّتْرَ، إِلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ، إِمَّا بَرَصٌ، وَإِمَّا أُدْرَةٌ (١) وَإِمَّا آفَةٌ. وَإِنَّ اللهَ - عز وجل - أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا؛ فَذَهَبَ مُوسَى - عليه السلام - يَوْمًا يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ، أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأخُذَهَا، فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ فَخَرَجَ فِي إِثْرِهِ يَقُولُ: ثَوْبِي يَا حَجَرُ، ثَوْبِي يَا حَجَرُ. حَتَّى انْتَهَى بِهِ إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَتَوَسَّطَهُمْ فَرَأَوْهُ عُرْيَاناً، فَإِذَا أَحْسَنُ النَّاسِ خَلْقًا وَأَعْدَلَهُمْ صُورَةً وَأَبْرَأَهُ مِمَّا كَانُوا يَقُولُونَ. فَقَالَ الْمَلَأُ: قَاتَلَ اللهُ أَفَّاكِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَاللهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأسٍ. فَقَامَ الْحَجَرُ (٢)، وَأَخَذَ نَبِيُّ اللهِ ثَوْبَهُ وَلَبِسَهُ، وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْباً بِعَصَاهُ، فَوَاللهِ إِنَّ بِالْحَجَرِ لَنُدَباً مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ، ثَلَاثاً، أَوْ أَرْبَعاً أَوْ خَمْساً. فَكَانَتْ بَرَاءَتُهُ الَّتِي بَرَّأَهُ اللهُ - عز وجل - بِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى، فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا، وَكَانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً}.


(١) عِظَمُ الخصيتين.
(٢) أي: توقف، وأقام فِي مَوْضِعِه. وَهُوَ كَقَوْلِه تَعَالَى: (وَإِذا أظلم عَلَيْهِم قَامُوا). أي: توقفوا.

<<  <   >  >>