للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تداعي الأمم الكافرة على المسلمين]

بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ يَوْمَئِذٍ؛ الَّذِينَ يَصْلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ، أُنَاسٌ صَالِحُونَ فِي أُنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ. إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ (١)، وَأَخَذْتُمْ بِأَذْنَابِ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ (٢)، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ (٣). يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا (٤)، أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ اللهُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَيَقْذِفُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ.

إِنَّ اللهَ تَعَالَى زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا وَإِنِّي أُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ: الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ -يَعْنِي الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ- ولَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ، بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، إِمَّا يُعِزُّهُمْ اللهُ فَيَجْعَلُهُمْ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ يُذِلُّهُمْ فَيَدِينُونَ لَهَا. إِنِّي صَلَّيْتُ صَلَاةَ رَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ، سَأَلْتُ رَبِّي - عز وجل - لِأُمَّتِي ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ، وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَهُمْ بِمَا أَهْلَكَ بِهِ الْأُمَمَ قَبْلَهُمْ، فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَلْبِسَهُمْ شِيَعًا، وَيُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأسَ بَعْضٍ، فَمَنَعَنِيهَا، فَقَالَ لِي رَبِّي: "يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً، فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ جُوعًا فَأُهْلِكَهُمْ بِهِ، وَلَنْ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا وَيَسْبِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا". وَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي، لَمْ يُرْفَعْ عَنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ، جُعِلَ عَذَابُهَا بِأَيْدِيهَا فِي دُنْيَاهَا، لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ، عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا: الْفِتَنُ وَالزَّلَازِلُ وَالْقَتْلُ. رَأَيْتُ مَا تَلْقَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي وَسَفْكَ بَعْضِهِمْ دِمَاءَ بَعْضٍ، وَسَبَقَ ذَلِكَ مِنْ اللهِ تَعَالَى كَمَا سَبَقَ فِي الْأُمَمِ، فَأَحْزَنَنِي وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ، فَسَأَلْتُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُوَلِّيَنِي فِيهِمْ شَفَاعَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَفَعَلَ.


(١) العينة: بيع ربوي، حيث يبيع البائع شيئاً للمشتري بثمن مؤجل ثم يشتريه منه قبل قبض الثمن بثمن أقل. وترك الربا من أسباب والنجاح، وتعزى نهضة ألمانيا واليابان الاقتصادية بعد أن دمرتها الحرب العالمية الثانية، إلى أن الناس فيهما لم يقرضوا أموالهم للبنوك باسم الإيداع، بل بنوا بها المدن والمصانع وغيرها.
(٢) حمل هذا على الاشتغال بالزرع في زمن يتعين فيه الجهاد.
(٣) تلاشى مُلك بني أمية واضمحل لما تركوا سيرة عمر بن العزيز، وجعلوا الجعد بن درهم مربياً، وترجموا الفلسفات الوثنية، وأشغلوا الناس بالنقائض بين جرير والفرزدق، وأشاعوا الغناء في الحجاز، وصدق بعضهم الدعوى الزائفة التي قالها المنافقون والمبتدعة من أن طاعتهم واجبة في كل شيء، كما علل قائد الثورة عليهم (أبو مسلم الخراساني) سبب ذهاب ملكهم بأنهم أبعدوا الصديق وقربوا العدو، وقال ذلك للمنصور العباسي. وعلى ضعف تمسك المسلمين بدينهم وميلهم للدنيا وتركهم لأسباب القوة والجهاد وتفرقهم في فترات مضت؛ سقطت خلافتهم التي أنارت قلب العالم ونشرت العلم والمعرفة في عصور ظلمات أوروبا، ثم قامت على إثرها الحضارة الغربية التي اكتسبت من علوم ونبوغ المسلمين وأنظمتهم إلا أنها مزجتها بآفات العنصرية وابتدأت بالتطهير العرقي والتفنن في التعذيب وإقامة محاكم التفتيش في الأندلس (إسبانيا) وإبادة غير النصارى وسلبهم. وظهر فيها نظام الطبقية والاستئثار والعنصرية والحروب النووية المدمرة، ونوادي العراة وزواج المثليين. وفي أمريكا تقع الجرائم الكبيرة في كل وقت تقريباً، وذلك من تأثير أفلام الرعب وأفلام الجنس التي تقدمها هوليود وغيرها. وتعاني أوروبا من تفكك لغوي وتفكك عرقي وبيئة شتائية قاسية. وتجبر الولايات المتحدة الدول الأوروبية بأن تبور ١٥ % من الأراضي لكي تبقى أسعار قمحها على ما هي عليه. ومن آفات الحضارة الغربية نشر المسكرات والمخدرات، وأكل الخنزير وهو حيوان مستقذر يأكل العذرة وينشر الأمراض، ويسبب الدياثة. وله دهون ضارة، وحذرت من أكله وزارة الزراعة الأمريكية، وقال الدكتور "جايلورد هاوزر" الملقب زعيم التغذية في العصر الحديث: "لا يدخل الخنزير في أي نظام صحي". أما المسلمون فلا يأكلون الخنزير ولا المستقذرات، في حين تأكل بعض الشعوب الشرقية -كاليابانيين-: الصراصير والخنافس، وبعضهم يأكل البراز.
ومما يناقض الحرية المزعومة في بعض الدول الغربية منع المرأة المسلمة من لبس الحجاب أو لبس البوركيني. وكذلك يمنعون انتقاد عربدة اليهود وإفسادهم وإرهابهم وظلمهم واحتلالهم ونهبهم ويصنفون ذلك بأنه بغض للسامية ونشر لخطاب الكراهية، مع أن النصارى تاريخياً هم الذين اتهموا اليهود أنهم سبب الوباء الأسود، وسويسرا البلد الذي يصفونه بالحياد وليس فيه إلا ثلاث مآذن فقط؛ ومع ذلك صوّت أكثر شعبه لمنع بناء المآذن. ويطالب الغرب البلاد الإسلامية بمنح الأقليات -ويعنون الروافض والمرتدين-حقوقهم، في حين أنهم لا يعطون المسلمين ولا (المورمن) حريتهم ولا اللاتينيين الكاثوليك ولا الإميش!!
وشريعة المسلمين وعقيدتهم وأخلاقهم أعلى من الغرب الذي ينبغي أن تكون لديه عقدة النقص لتثليثه ودياثته وخرافاته وتحيزه لليهود. والغربيون المتشدقون بحقوق الإنسان يتغاضون عن مآسي المسلمين في تركسان من قبل الصينيين، وعن مآسي المسلمين في بورما من قبل البوذيين، وعن مآسي المسلمين في فلسطين والعراق وسوريا وغيرها. وكل ما يوافق الإسلام ويعارض المصالح الأمريكية يتم وضعه في قائمة الإرهاب.
وفي الغرب أكثر من ١٤٠٠ تنظيم متطرف، منها: النازيون الجدد وحليقو الرؤوس والذئاب الغبر، والألوية الحمراء، والصليبيون الجدد، وأصحاب القمصان الزرق، وفيها العديد من المنظمات والحركات السرية الهدامة كـ "الصليب الوردي" و "اليسوعية" و"أصحاب الأيكة" و"البناي برث" ونوادي "اليوغا".
وأما تنظيم داعش الذي ينسبونه للمسلمين فهو تنظيم عميل مصنوع، شهد بذلك الرئيس الأمريكي ترمب حيث قال: "إن الذي صنع داعش هو: أوباما"، وقالت هيلاري كلينتون إن الذي صنع داعش هو:"أمريكا"، وقال السيناتور الأمريكي جون ماكين: إن الذي صنع داعش هو: "بشار". فهم جميعاً متفقون على أن (داعش) مصنوعة وليست تنظيماً حقيقياً، وإنما يختلفون فيمن صنعها ويقف وراءها.
وقد اجتاحت الاشتراكية نصف الكرة الأرضية تقريباً، سافكة دماء ٨٠ مليوناً من البشر، وفق إحصاءات إعادة البناء (البرستوريكا) ثم سقطت في النهاية مستسلمة للرأسمالية اليهودية. ويركز الغرب على اتهام هتلر بالإبادة لأنه قتل اليهود، ويتغاضون عن إبادات "ستالين" و"روزفلت" و"تشرشل" و"ماوتسي تونغ". والأمريكيون أبادوا وقتلوا بوحشية المدنيين بتدمير دوسلدورف الألمانية ودمروا هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين بالقنابل النووية، ودمروا الصومال والعراق وأفغانستان وغيرها.
والدول الغربية تنحاز دائماً للصهاينة وتعمل على إنهاك اقتصاد الدول الإسلامية وتفتعل قضايا الإرهاب وتشغل المسلمين بها عن الإرهاب الحقيقي وهو الإسلاموفوبيا، وأمريكا تصرح في مناسبات كثيرة وعبر عقود طويلة بأن الاعتدال هو الاعتراف بإسرائيل واحتلال الصهاينة، وأن التشدد هو رفض ذلك. وتظهر عدوانية الغرب للمسلمين في الحروب الصليبية والاستعمار العسكري ونهب الثروات والغزو الفكري والسلوكي وتدبير الإنقلابات على الحكومات الإسلامية المنتخبة ودعم الإنقلابيين الذي يوالون الغرب وينفذون مخططاته بإضعاف التدين ونشر الثقافة الغربية ونبذ التعامل بالتقويم الهجري في البلاد الإسلامية وتقديم الأفضلية للغات الأجنبية على العربية. إضافة لسعيهم المستمر في تدبير الحروب الاقتصادية وإبقاء هيمنة الدولار الذي أصبح ورقاً ولم يعد له أي تغطية حقيقية، ومنع الدول الإسلامية من التفوق العسكري أو الاقتصادي. وقد اجتهدوا في محاربة الإعلام الإسلامي المحافظ والمستقل وإغلاق العديد من قنواته، ودعم الإعلام المنحل دينياً وثقافياً. وعمدوا لتشويه ومحاربة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمعات المسلمة، والضغط على الحكومات الإسلامية لتقليص تحكيم القضاء الإسلامي إلى تحكيم القوانين الوضعية المخالفة، وتغيير المناهج التعليمية بما يوافق الأهواء الغربية، وفرض الفساد الأخلاقي والانحلال الفطري باسم الحرية والترفيه ومقاومة ما يسمونه: التشدد والوصاية.
وجاهدوا كذلك لتقليص المشاريع الإسلامية الخيرية الداعمة للعمل الخيري الإغاثي وفرض مراقبة حساباتها واتهامها والضغط لإغلاق الكثير منها. وتجريم الجهاد المشروع ومقاومة الاحتلال والعدوان كما في فلسطين وتصنيفه إرهاباً، ومحاولة عزل احتلال فلسطين والمسجد الأقصى عن بقية المسلمين وجعله مجرد قضية بين دولتين. ومسخوا العلاقات الدولية المعاصرة لتقوم على المصالح المادية للدول وليس على الحق والمبدأ. وجعلوا حق النقض "الفيتو" حكرا على الدول التي هزمت "هتلر"، ولم يغيروا ذلك منذ عقود وهو ظلم لبقية شعوب الأرض ومما يطالب الأكثر بتعديله في ميثاق الأمم المتحدة. وينادي الغربيون بمبادئ ومعايير غير منضبطة لديهم ويفسرها كل منهم على ما يهوى، ومن أمثلة ذلك: الحشمة والاعتدال والمعقولية والترشيد والشفافية والعدالة الانتقالية، والإرهاب. واستخدموا قوة الإعلام في التلاعب بالمصطلحات؛ فيسمون احتلالهم "مطلباً حكومياً"، ويسمون حربهم على الإسلام "مكافحة الإرهاب"، ويسمون إقصاء المنتخبين "قضاءً على الديكتاتورية"، ويسمون دعمهم للصهاينة "نشراً للديمقراطية"، ويسمون غزوهم لبلاد المسلمين "تحريراً"، ويسمون الدياثة "تطوراً"، ويسمون الهيمنة الاقتصادية "استثماراً"، ويسمون احتكارهم "تسويقاً"، ويسمون النهب "تنمية". وقد قال كبير فلاسفة القرن العشرين "برتراند رسل": "إن نظامي روما وموسكو -يعني الرأسمالية والشيوعية- لم يجلبا للبشرية إلا الدمار".
أما دين الإسلام الحق فقد علّم الإنسان أنه يؤدي ما عليه قبل أن يطالب بما هو له، وأن يحرص الفرد على الوصول إلى الحق سواء كان له أو عليه، وبالإسلام يسعى المجتمع إلى التراحم والتكافل والتواصل بدلا من التناحر والتنافس، ويخلص كل موظف في عمله ويتقنه ولو ضعفت الجهات الرقابية أو عُدمت أو تحيزت، ويأمن المجتمع ويطمئن، ويضع حداً لسعار الشهوة وتطور الجريمة والفساد، وينعم الناس بالإخوة الإيمانية ويتجنبون مهالك النعرات الجاهلية والتمزق الحزبي والقبلي، وبالدين ينقاد الشريف للوضيع في النسب كما انقاد كبار قريش لابن أبزى مع أنه مولى، وبالدين يجمع بين دولة العقيدة ودولة الرفاهية أي خيري الدنيا والآخرة، وعليه لو لم يكن الإسلام الحنيف بين أيدينا لكان الواجب أن نبحث عنه في أي مكان ونشتريه بأي ثمن ونستمسك به؛ لأنه يحقق السعادة والعدالة والأمن والرخاء. و (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
(٤) الأكلة: جمع آكل. والقصعة: وعاء يؤكل فيه. والمعنى أن الكفرة يدعوا بعضهم بعضاً للأخذ من بلاد المسلمين بلا مانع ولا منازع، فيأكلونها عفوا وصفوا، ويأخذون ما في أيدي المسلمين بلا تعب ينالهم، أو ضرر يلحقهم، أو بأس يمنعهم. يقول الله جل وعلا: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
ومن المهم أن يعرف المسلم كيف اجتمع اليهود والنصارى على حرب المسلمين مع أن اليهود والنصارى كانوا يعادون بعضهم البعض؟!
فاليهود ملعونون في الإنجيل عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، وعند النصارى فإن أعظم جرائم اليهود ليست مجرد الكفر بالله وشتم المسيح واتهامه بالسحر والكذب وشتم أمه واتهامها في عرضها وقتل الأنبياء وإنكار التثليث وتضليل النصارى والوعد بقتلهم فقط؛ بل يرون أعظمها: قتل ربهم المسيح (كما يزعمون)!!! (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ).
وهكذا ظلت العداوة لا تنطفئ بين الطائفتين -اليهود والنصارى-، واستمرت الكنيسة البابوية التي مقرها روما في لعن وعداوة اليهود، وقامت حملات عارمة تزعمها البابا لتنظيف المجتمعات الأوروبية من اليهود، وفي القرن الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر استمرت حملات التنظيف؛ فنظفت بريطانيا وألمانيا وفرنسا وكثير من دول أوروبا من اليهود؛ لأنهم يرونهم أخطر خلق الله وأكثرهم شرّاً -وهم كذلك-.
ومن جحيم أوروبا في عصور ظلماتها لجأ اليهود إلى كنف الأندلس وآواهم المسلمون، وبعدما احتل النصارى مدريد الإسلامية وشنوا حربهم الإبادية الشاملة على المسلمين في الأندلس شمل ذلك اليهود معهم؛ فلجئوا إلى الولايات التركية وخاصة اليونان.
ثم لما ظهرت الحركة البروتستانتية النصرانية ابتهج اليهود بهذه الحركة ووجدوا فيها متنفساً لهم وفرصة للانتقام من البابا وأتباعه وضرب النصارى بعضهم ببعض؛ فسخروا مكرهم ودهاءهم وأموالهم لنشرها، والبروتستانت: هي الطائفة النصرانية التي تحتج على البابا - زعيم الكاثوليك -، وتخرج عليه وتؤمن بأن البشر لا يتوسطون بين الناس وبين الله، وقالوا: إن على كل إنسان أن يقرأ الكتاب المقدس مباشرة ويطبقه مباشرة، وترفض احتكار رجال الكهنوت لتعليم الدين وتفسير الإنجيل، وقد تأثروا في ذلك بالمسلمين إبان الحروب الصليبية؛ إذ رأوا أن المسلمين يتعاملون مع كتاب الله مباشرة، ولا يتوسط أحد بينهم وبين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
والذي حدث في أوروبا أنه بعد ظهور هذه العقيدة بدأ الناس يرجعون إلى الأصول التوراتية اليهودية المحرفة، وقام مارتن لوثر صاحب حركة البروتستانت بترجمة التوراة المحرفة إلى اللغة الألمانية، وكذلك الإنجليزية، وقد انتشرت الحركة البروتستانتية أكثر ما انتشرت في ألمانيا وبريطانيا وآمن هؤلاء بحرفية الكتاب المقدس وعصمة التوراة المحرفة، وأن كل حرف في التوراة المحرفة هو حق من عند الله، فآمنوا به وبضرورة تحقيقه، وأعرضوا عن تفسيرات البابا ورجاله للعلاقة مع اليهود.
وقد خرج النصارى البروتوستانت من أوروبا بروح التدين التوراتي المحرف، فلما دخلوا أمريكا تفاءلوا بأن هذا خروج كخروج بني إسرائيل من التيه ودخولهم إلى الأرض المقدسة، وأخذوا يسمون المدن والمناطق في أمريكا بأسماء من التوراة المحرفة، واعتقدوا أن هذه الأرض البكر بشرى بشرهم الله بها في الدنيا، وتأسس المجتمع الأمريكي على أساس بروتستانتي توراتي، وكان ذلك من آثار استغلال اليهود الكتاب المحرف الذي يؤمن به اليهود والنصارى معاً، وهو القسم الأول من الكتاب المقدس الذي يتكون من قسمين يسمون كلا منهما عهداً، فالأول هو العهد القديم وهو التوراة التي تشتمل على النصوص المحرفة التي تمجد اليهود والمتناقضة مع ما في الإنجيل من لعن اليهود وعداوتهم، والآخر هو العهد الجديد وهو الأناجيل والرسائل المحرفة.
ولذلك يتعاون اليهود والنصارى على حرب الإسلام والمسلمين، ومن الناحية السياسية يتفقون على أهمية إقامة دولة موالية للغرب في قلب العالم الإسلامي بعد سقوط الخلافة تقوم بإثارة المشاكل وإشغال دول المسلمين وإضعافهم دينياً وفكرياً واقتصادياً وتفصل مشرقهم عن مغربهم وتعمل على عدم اتحادهم حتى لا تعود الخلافة الإسلامية من جديد.
وقد تعهد اليهود أن يقوموا بهذه المهام مقابل دعم النصارى لهم لتحقيق المصلحة للطرفين. كما يتفق اليهود والنصارى أيضاً من الناحية العقدية على أن قيام دولة إسرائيل وتجمّع بنى إسرائيل في فلسطين هو تمهيد لنزول المسيح المنتظر الذي يحالفه النصر ويحكم العالم ويقضي على أعدائه، كما يفسره كل منهما، وأنه ستكون هناك حرب لا هوادة فيها ببلاد الشام وهي (معركة هرمجدّون).
لكنهم يختلفون في من هو هذا المسيح المنتظر؟؛ هل هو عيسى ابن مريم كما يؤمن النصارى وأنه سيقتل اليهود والمسلمين؟ أم هو ملك يهودي من نسل داود (المسيح الدجال) كما يزعم اليهود وأنه سيقتل النصارى والمسلمين؟!
ويعتقد كل من الطائفتين أنه سينتصر بقيادة المسيح الذي ينتظره ويفني الآخرين تماماً!!.
واليهود (كتبت عليهم الذلة إلا بحبل من الله وحبل من الناس) وهم بحاجة إلى من يساندهم من الناس، ولذا ابتدع حاخامات صهيون حيلة أقرهم عليها قادة الإنجيليين النصارى وهي تأجيل الخوض في نتيجة (معركة هرمجدون) التي ينتظرها كل منهما ليهلك الآخر، وأن تظل هذه المسالة معلقة تماماً ولا يتم التطرق لها، وأن يكون التعاون بينهما على مبدأ التهيئة لنزول المسيح المنتظر بإقامة دولة تجمع بنى إسرائيل في فلسطين، فإذا نزل المسيح فعندها يُرى؛ أهو مسيح اليهود أم مسيح النصارى. لأن الخوض في نتيجة المعركة حالياً ليس من مصلحة الطائفتين معاً!! لكن المصلحة المحققة لهما تكون بأن يعملا سوياً للقضاء على العدو المشترك لهما وهو (المسلمون)!!
وهم يسعون بجهود حثيثة سياسياً وعسكرياً إلى إخضاع بلاد العرب والمسلمين للرهبة اليهودية العسكرية، وفرض الحماية الغربية على المنطقة، ثم من خلال ما يسمى بمنظورهم (عملية السلام) مع العرب؛ يسعون إلى التضييق على الدعوة الإسلامية وتغيير المناهج الإعلامية والتعليمية لمحو كل ما يثير العداء نحو اليهود، وفرض السيطرة المالية الاقتصادية ونشر الثقافة اليهودية والنصرانية ونهب ثروات المنطقة النفطية والمائية وإفساد المنطقة أخلاقياً عن طريق السياحة والآثار والترفيه، وفتح الباب لغزو الجاسوسية لأماكن ما كانت تحلم بها من قبل.

<<  <   >  >>