للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[إفساد يأجوج ومأجوج ثم مقتلهم]

فَيَلْبَثُ كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُوحِي اللهُ إِلَيْهِ أَنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ اللهُ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ وَهُمْ كَمَا قَالَ اللهُ: (مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ)، فَيَعُمُّونَ الْأَرْضَ، وَيَنْحَازُ مِنْهُمْ الْمُسْلِمُونَ (١)، وَلَا يَبْقَى مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ إِلَّا فِي حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ، وَيَضُمُّونَ إِلَيْهِمْ مَوَاشِيَهُمْ، وَيَشْرَبُونَ مِيَاهَ الْأَرْضِ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، ثُمَّ يَمُرُّ بِهَا آخِرُهُمْ، فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ، ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيَقُولُونَ: لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ، هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرُدُّ اللهُ عَلَيْهِمْ نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا لِلْبَلَاءِ وَالْفِتْنَةِ فَيَقُولُونَ: قَدْ قَتَلْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ، وَيُحَاصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى يَكُونَ رَأسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمْ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللهِ، فَيُرْسِلُ اللهُ عَلَيْهِمْ النَّغَفَ (٢) فِي رِقَابِهِمْ فَيَقْتُلُهُمْ بِهَا، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، يَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَيُصْبِحُ الْمُسْلِمُونَ لَا يَسْمَعُونَ لَهُمْ حِسًّا، فَيَقُولُونَ: مَنْ رَجُلٌ يَشْرِي نَفْسَهُ وَيَنْظُرُ مَا فَعَلُوا؟، فَيَنْزِلُ رَجُلٌ مِنْهُمْ لِذَلِكَ مُحْتَسِبًا لِنَفْسِهِ، قَدْ وَطَّنَهَا عَلَى أَنَّهُ مَقْتُولٌ، فَيَجِدُهُمْ مَوْتَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَيُنَادِي يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَلَا أَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللهَ قَدْ كَفَاكُمْ عَدُوَّكُمْ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ، فلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللهِ، فَيُرْسِلُ اللهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ (٣)، فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ بِالْمَهْبِلِ (٤).


(١) هذا هو الخروج المشهور أو الأخير، حيث إن من العلماء من يعدُّون خروج الترك (التتار) أنه الخروج الأول ليأجوج ومأجوج، وقد جاء في الحديث: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ، صِغَارَ الأَعْيُنِ، حُمْرَ الوُجُوهِ، ذُلْفَ الأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ)، وقد قال جمع من العلماء: إنّ الترك طائفة من يأجوج ومأجوج. وجاء في حديث خالد بن حرملة: (تُقَاتِلُونَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجُ، عِرَاضَ الْوُجُوهِ صِغَارَ الْعُيُونِ صُهُبَ الشُّعُورِ، مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ). وقال القرطبي فى تفسيره (١١/ ٥٨): (نعت النبى صلى الله عليه وسلم الترك كما نعت يأجوج ومأجوج). وفي حديث: (ويل للعرب من شر قد اقترب: فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه) أنه سيحلُّ بالمسلمين والعرب منهم خاصة شرُ عظيم، يهلك فيه الصالحون، وهو -والله أعلم- ما وقع لهم سنة (٦٥٦) هـ على يد التتار. حيث تحركت القبائل التتارية من موطنها، واكتسحت العالم المعمور كلّه تقريباً شرقاً وغرباً وجنوباً، ودمَّروا الحضارة الإنسانية فترة من الزمن، وارتكبوا من الجرائم والإفساد فى الأرض ما لا تعرفه البشرية فى تاريخها من قبل، وقد قاتلوا المسلمين، ودخلوا بغداد، وسقطت سنة (٦٥٦) هـ وقتلوا الخليفة العباسي والعلماء والصلحاء وأسرفوا فى القتل حتى بلغ القتلى مليوني نفس، كما ذكر ابن كثير فى البداية (١٣/ ٢١٥). وهذا ما لايعرف المسلمون والعرب مثله من قبل، ولم يحلَّ بهم من الذلَّ والهوان والقتل مثل ما حلَّ بهم على أيدي التتار. وقد قال القرطبى فى تفسيره (١١/ ٥٨) وهو معاصر لهذه الأحداث: (وقد خرج منهم فى هذا الوقت أمم لايحصيهم إلاّ الله تعالى، ولايرّدهم عن المسلمين إلاّ الله تعالى، حتى كأنهم يأجوج ومأجوج، أو مقدمتهم). ولاشك أن هذا غير خروجهم الآخر فى آخر الزمان، إذ يتحصن المؤمنون فى حصونهم ولايحصل بينهم وبين يأجوج ومأجوج قتال أصلاً. ولم يثبت نص صريح فى أن السد سيكون حاجزاً يمنعهم عن أمم الأرض إلى وقت بعثهم وخروجهم، وإنما كان يمنعهم من الإفساد فى الأرض فى تلك الفترة. ثم إنّ ذلك السد القوي الممتنع قد زال جزء منه في العهد النبوي وفيه إشارة إلى أن ما يزول منه في ازدياد، وجاء في آية الكهف وغيرها أنه سيزول تماماً ويكون دكاً يوم القيامة هو والجبال التي حوله وكل جبال الأرض وتصبح الأرض مستوية لا معلم فيها. ولهذا صرح بعض العلماء ومنهم العلامة عبدالرحمن السعدي وغيره أن يأجوج ومأجوج قد خرجوا من خلف ذلك السد بما هيأه الله لهم من أسباب ومخترعات، وهم اليوم أهل شمال وشرق آسيا ومنغوليا والصين ونحوها، وأن خروجهم وانفتاحهم وانبعاثهم على أهل الأرض قبل قيام الساعة لم يثبت نص صريح في كونه متعلقاً بانهدام السدّ وجعله دكاء، وإنما يكون خروجهم ذلك بأسباب قدرية كونية يهيؤها الله عز وجل، -ولعل منها جدب الأرض زمن الدجال وتغير أحوالها ثم مقتل الدجال- فتكون الباعث على خروجهم وانفتاحهم على أهل الأرض، فيحلُّ بأهل الأرض ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
(٢) النَّغَف: دود يكون في أنوف الإبل والغنم، الواحدة: نغفة.
(٣) البخت: نوع من الجمال طوال الأعناق.
(٤) الْهُوَّةُ الذَّاهِبَةُ فِي الْأَرْضِ والهُوِيُّ من رأس الجبل. وقيل: مطلع الشمس، أو اسم لموضع، وقيل: مكان ببيت المقدس.

<<  <   >  >>