للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[وفاة آدم عليه السلام]

وقد كتب الله على آدم قبل أن يخلقه أنه سيسكن الجنة ثم يخرج منها ويهبط إلى الأرض التي منها خلق ويمكث فيها ما شاء الله من الأجل حتى يموت ويبعث بعد موته، فتكون الجنة مأواه هو ومن تاب وأصلح من ذريته. وليس أول الخلق (١) بأهون على الله من إعادته (٢).

ولما أُهْبِطَ آدم من الجنة إلى الأرض جعل يَعُدُّ لنفسه أجله وعمره، فلما قُضي عُمْرُ آدمَ جاءه ملَكُ الموت، فقال له آدم: قد عجلتَ!! قد كُتب لي ألف سنة!! أولم يبق من عمري ستين سنة؟!، قال: بلى، ولكنك جعلت لابنك داود ستين سنة، قال: ما فعلتُ. فجَحَدَ آدمُ؛ فجحدتْ ذريتُه، فمن يومئذ أمر بالكِتاب والشهود (٣)، ونسي آدمُ فنسيت ذريتُه وسمّي (الإنسان)، وخَطِئ آدمُ، فخطئت ذريتُه.

ولَمَّا نَزَلَ بِآَدَمَ الْمَوْتُ قَالَ: أي بَنِي، إني أَشْتَهِي مِنْ ثَمَرَةِ الْجَنَّةِ. انطلقوا فاجنوا لي من ثمار الجنة. فَانْطَلَقَ بَنُوهُ يلتمسون، فاستقبلتهم الملائكة فقالوا: أين تريدون يا بني آدم؟ فَقَالُوا: يَشْتَهِي أَبُونَا مِنْ ثَمَرِ الجنة. فقالوا: ارجعوا قد كفيتم، فَقَدْ أُمِرَ بِقَبْضِ أَبِيكُمْ. فرجعوا معهم فَأَقْبَلُوا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى آدَمَ، فَلَمَّا رَأَتْهُمْ حَوَّاءُ عَرَفَتْهُمْ وذعرت منهم وجعلت تدنو إلى آدم فَلَصَقَتْ بِآدَمَ، فَقَالَ: إِلَيْكِ عَنِّي فَمِنْ قِبَلِكِ أُتِيتُ (٤)، دَعِينِي وَمَلَائِكَةُ رَبِّي.

فَقَبَضُوهُ وَهُمْ ينظرون، وغَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِالْمَاءِ وِتْرًا وهم ينظرون، وكفنوه وهم ينظرون وحنطوه وَهُمْ يَنْظُرُونَ، وَصَلَّوْا عَلَيْهِ، ثم حفروا له وَأَلْحَدُوا لَهُ ثم دفنوه، ثُمَّ أَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ فَقَالُوا: يَا بَنِي آدَمَ، هَذِهِ سُنَّتُكُمْ فِي مَوْتَاكُمْ، هَذِهِ سُنَّةُ آدَمَ فِي وَلَدِهِ، وَهَذا سَبِيلُكُمْ فكذاكم فافعلوا.


(١) أي: ابتداء الخلق من العدم.
(٢) أي: الكل على حد سواء، يكون بكلمة (كن)، هذا بالنظر إليه تعالى، وأما بالنظر إلى عقول الناس وعادتهم، فآخر الخلق أسهل، كما قال تعالى: {وهو أهون عليه}.
(٣) يعني: بِكِتَابَةِ الْحُجَّةِ وَ إشهاد الشُّهُودِ للتَّوَثُّق على الحقوق ومع البيِّنة عليها، ولم ينزل الإيجاب فيها.
(٤) في ذلك ما يشير إلى أن الشيطان ابتدأ بإغواء حواء قبل آدم، وأنها تسببت في إغواء زوجها في الأكل من الشجرة والخروج من الجنة. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِآدَمَ: "يَا آدَمُ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَيْتُكَ عَنْهَا"؟، فَاعْتَلَّ آدَمُ، فَقَالَ: "يَا رَبِّ زَيَّنَتْهُ لِي حَوَّاءُ". ومع ذلك فقد تاب الله عليهما، وأمر الرجال بحسن معاشرة النساء ورعايتهن ووعظهن والصبر عليهن وإكرامهن، وقد قال عليه الصلاة والسلام:" خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي".

<<  <   >  >>