للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[التداوي وحفظ الصحة]

تَدَاوُوْا عِبَادَ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا وَقَدْ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَه مَنْ عَلِمَه، وجَهِلَه مَنْ جَهِلَه، إلا السام (١). فتداووا، ولا تتداووا بحرام (٢)، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِي حَرَامٍ.

وإن أفضل ما تداويتم به: الحجامة (٣)، والقُسط البحري. وإذا هاج بأحدكم الدم فليحتجم، فإن الدم إذا تبيغ (٤) بصاحبه يقتله (٥). مَنْ أَرَادَ الْحِجَامَةَ؛ فَلْيَتَحَرَّ سَبْعَةَ عَشَرَ أَوْ تِسْعَةَ عَشَرَ أَوْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ. الشِّفَاءُ فى ثلاثٍ: شَرْبَةِ عسلٍ، وشَرْطةِ مِحْجَمٍ، وكَيَّةِ نارٍ توافق الداء، وما أحب أن أكتوي، وأنْهى أُمَّتى عن الْكَيِّ (٦).

أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ (٧)؟، صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ. والسواك مطهرة للفم، مرضاة للرب (٨). خَيْرُ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مَاءُ زَمْزَمَ، فِيهِ طَعَامٌ مِنَ الطُّعْمِ وَشِفَاءٌ مِنَ السُّقْمِ، مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شَرِبَ لَهُ، إِنْ شَرِبْتَهُ تَسْتَشْفِي بِهِ؛ شَفَاكَ اللهُ، وَإِنْ شَرِبْتَهُ لِشِبَعِكَ؛ أَشْبَعَكَ اللهُ بِهِ، وَإِنْ شَرِبْتَهُ لِيَقْطَعَ ظَمَأَكَ؛ قَطَعَهُ اللهُ، إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، وَهِيَ هَزَمَةُ جِبْرِيلَ (٩) وَسُقْيَا اللهِ إِسْمَاعِيلَ. وإن في الحبة السوداء شفاءً من كل داء إلا السام (١٠). عليكم بالسنى والسنوت (١١) فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام. ومَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً عَلَى الرِّيقِ، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ (١٢) حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ أَكَلَهَا حِينَ يُمْسِي؛ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يُصْبِحَ. كلوا الزيت وادهنوا به؛ فإنه من شجرة مباركة. تداووا بألبان البقر فإني أرجو أن يجعل الله فيها شفاء، فإنها تأكل من كل الشجر، أَلْبَانُ الْبَقَرِ شِفَاءٌ، وَسَمْنُهَا دَوَاءٌ، وَلُحُومُهَا دَاءٌ (١٣)، ولو خرجُتم إلى إِبِل الصدقة فشربتم من أبوالها وألبانها. الكمأة من المن الذي أنزل الله تبارك وتعالى على بني إسرائيل، وماؤها شفاء للعين (١٤). عليكم بالإثمد فإنه خير أكحالكم؛ يجلو البصر وينبت الشعر (١٥). إِذَا اكْتَحَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْتَحِلْ وِتْرًا.


(١) وهو الموت. وفي رواية:"إلا الهَرَم"، وهو: الشيخوخة وكبر السن.
(٢) ونهى عليه الصلاة والسلام عن الدواء الخبيث. ولما جُرْحُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحُدٍ ورأت فاطمة الدمَ لا يزيد إلا كَثرةً، أخذت قطعةَ حصيرٍ البَرْدِىّ، فأحرقتْها حتى إذا صارت رَماداً ألصقتهُ بالجُرحِ فاستمسك. وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: كنا نطلي وجوهنا بالورس (الكركم) من الكلف (وهو شيء يعلو الوجه كالسمسم، وهو لون بين السواد والحمرة، وهي حمرة كدرة).
والثفاء (حب الرشاد) والكندر (اللبان) من الأدوية المفيدة. ويتجنب تناول الطعام أو الشراب وهو شديد السخونة. وعدم شرب الماء المغلي وهو ساخن، إلا ما كان فيه عسل. والحلبة مفيدة جداً ويمكن أن تؤكل مطبوخة بالتمر أو العسل أو التين. ويتطبخ معها سمن بقري لعلاج الخاصرة والكلى. وماء الحلبة المغلي يعالج الجلد المتشقق والتهاب الحلق واللوزتين. والرجلة مفيدة وتقلع الثآليل إذا حكت بها. والبصل والكراث والثوم والليمون مقاومة لكثير من الأمراض. والصبِر مفيد جداً وهو من النبات المعروف حديثاً باسم: الصبار. لكن اسم (الصبار) قديماً يطلق على التمر الهندي.
والمريض من الحمى في طور النقاهة والحفاظ على مناعته قد يمنع من الرطب والتمر والحلو، والمريض من الرمد يمنع من الإكثار منها ولا يزيد على سبع تمرات. والسفر قد يكون من أسباب الصحة.
ومن خلاصة ما نصح به قدماء الأطباء قولهم: لَا تَشْرَبِ الدَّوَاءَ إِلَّا مِنْ عِلَّةٍ، وَلَا يَتَعَالَجَنَّ أَحَدُكُمْ مَا احْتَمَلَ بَدَنُهُ الدَّاءَ. واسْتَدِيمُوا الصِّحَّةَ بِتَرْكِ التَّكَاسُلِ عَنِ التَّعَبِ. وَلَا تَحْبِسِ الْبَوْلَ، فإن طُولُ الْمُكْثِ فِي الْمَخْرَجِ يُوَلِّدُ الدَّاءَ الدَّوِيَّ. وَلَا يَنَمْ أحدكم حَتَّى يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى الْخَلَاءِ، وإياك وَالنَّوْمَ الْكَثِير، وَلَا يَنَمْ مَنْ بِهِ زُكْمَةٌ عَلَى قَفَاهُ، وَالنَّوْمُ عَلَى الْقَفَا يضر الذهن، وَلَا يَنَمْ صَاحِبُ الْحُمَّى الْبَارِدَةِ فِي الشَّمْسِ.
ومَنْ أَرَادَ الصِّحَّةَ، فَلْيُجَوِّدِ الْغِذَاءَ، والْإِقْلَالُ مِنَ الضَّارِّ خَيْرٌ مِنَ الْإِكْثَارِ مِنَ النَّافِعِ. وعليك بالعسل من الداخل والزيت من الخارج، وَلَا تَأْكُلُ مِنَ الْفَاكِهَةِ إِلَّا فِي أَوَانِ نُضْجِهَا، وَلَا تَأْكُلْ مِنَ اللَّحْمِ إِلَّا فَتِيًّا، وَلَا تَأْكُلُ فِي الصَّيْفِ لَحْمًا كَثِيرًا، وَمَنْ شَرِبَ كُلَّ يَوْمٍ فِي الشِّتَاءِ قَدَحًا مِنْ مَاءٍ حَارٍّ؛ أَمِنَ مِنَ الْأَعْلَالِ، وَلَا تَقْرَب الْبَاذِنْجَانَ الْعَتِيقَ الْمُبَزَّرَ.
وَعَلَيْكُمْ بِتَنْظِيفِ الْمَعِدَةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ، فَإِنَّهَا مُذِيبَةٌ لِلْبَلْغَمِ، مهلكة للمرة، منبتة للحم، وَعَلَيْكَ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ بِقَيْئَةٍ تُنَقِّي جِسْمَكَ، وَعَلَيْكَ بِالْقَيْءِ فِي الصَّيْفِ، وَلَا يَتَقَيَّأْ مَنْ تُؤْلِمُهُ عَيْنُهُ، وَلَا تحْبِسْ فِي الْمَعِدَةِ طَعَامًا تَأَذَّيْتَ بِهِ.
وَعَلَيْكَ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ (مكان الاغتسال) فَإِنَّهُ يُخْرِجُ مِنَ الْأَطْبَاقِ مَا لَا تَصِلُ الْأَدْوِيَةُ إِلَى إِخْرَاجِهِ، وَمَرَّةً فِي الصَّيْفِ خَيْرٌ مِنْ عَشْرٍ فِي الشِّتَاءِ، وَخُذْ مِنَ الْحَمَّامِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْكَ، وَمَنْ دَلَكَ جِسْمَهُ فِي الْحَمَّامِ بِقُشُورِ الرُّمَّانِ أَمِنَ مِنَ الْجَرَبِ وَالْحَكَّةِ، والِاغْتِسَالُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ بَعْدَ أَكْلِ السَّمَكِ الطَّرِيِّ يُوَلِّدُ الْفَالِجَ، وَأَكْلُ الْمُلُوحَةِ وَالسَّمَكِ الْمَالِحِ وَالِافْتِصَادُ بَعْدَ الْحَمَّامِ يُوَلِّدُ الْبَهَقَ وَالْجَرَبَ. ودُخُولُ الْحَمَّامِ عَقِيبَ الِامْتِلَاءِ؛ يهْدِمُ الْبَدَنَ وقد يصيب بالفَالِجٌ. وَنِعْمَ الْكَنْزُ الدَّمُ فِي جَسَدِكَ، فَلَا تُخْرِجْهُ إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَإِيَّاكَ وَالْفَصْدَ إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَالِافْتِصَادُ بَعْدَ الْحَمَّامِ يُوَلِّدُ الْبَهَقَ وَالْجَرَبَ، وَلَا يُسْرِعِ الْمَشْيَ مَنِ افْتَصَدَ، فَإِنَّهُ مُخَاطَرَةُ الْمَوْتِ، وَمَنِ افْتَصَدَ، فَأَكَلَ مَالِحًا فَأَصَابَهُ بَهَقٌ أَوْ جَرَبٌ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.
ومما يقوي الْجِسْمَ: لُبْسُ الثَّوْبِ النَّاعِمِ وَلُبْسُ الْكَتَّانِ وتخفيف الرّداء، وَدُخُولُ الحمام المعتدل، وأَكْلُ اللَّحْمِ وأكل الطعام الحلو الدسم، وَشَمُّ الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ، وَكَثْرَةُ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ. وأَرْبَعَةٌ تُفْرِحُ: النَّظَرُ إِلَى الْخُضْرَةِ، وَإِلَى الْمَاءِ الْجَارِي، وَالْمَحْبُوبِ، وَالثِّمَارِ.
ومما يُوهِنُ الْبَدَنَ ويمرضه: كَثْرَةُ الْجِمَاعِ، وَكَثْرَةُ الْهَمِّ، وَكَثْرَةُ شُرْبِ الْمَاءِ عَلَى الرِّيقِ، وَكَثْرَةُ أَكْلِ الْحَامِضِ، والْكَلَامُ الْكَثِيرُ، وَالْأَكْلُ الْكَثِيرُ، وَالنَّوْمُ الْكَثِيرُ، وَالْحُزْنُ، وَالْجُوعُ، وَالسَّهَرُ، والْغُبَارَ، والدخان، والنّتن، وَالتخلل بالرَّيْحَانِ.
(٣) الحجم: لغة المص. والمحجمة هي الآلة التي يمص بها الدم ويحجم بها المريض. والحجامة: هي ما يفعله الحجَّام وهو المصاص وسمي بذلك لأنه يمص الدم الفاسد من المحجوم عن طريق المِحْجمة أو المحجم: وهو مشرط الحجام الذي يشرط به الجلد.
والحجامة يفضل أن تكون على الريق وبعد منتصف الشهر وأفضلها يوم ١٧ أو ١٩ أو ٢١ ويحتاج إليها أكثر في وقت الحر وتفيد في قوة الحفظ والبصر وعلاج الأمراض والصداع والبلغم. وقد احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِطَرِيقِ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي وَسَطِ رَأسِهِ مِنْ صُدَاعٍ وَجَدَهُ. واحْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى وَرِكِهِ (مَا فَوْق الْفَخِذ) مِنْ أَلَمٍ كَانَ بِهِ. واحْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ.
(٤) باغ الدم: ثار وهاج، كما يكون الحال عند من به ارتفاع في ضغط الدم.
(٥) وقال عليه الصلاة والسلام لمن شكا وجعاً في رأسه: "اذهب فاحتجم". وشَكَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ - رضي الله عنهما - إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْقَمْلَ فِي غَزَاةٍ لَهُمَا، فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ. وقال لمن شكا وجعاً في رجليه: "اذهب فاخضبها بالحناء". وكَانَ لَا يُصِيبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرْحَةٌ وَلَا شَوْكَةٌ وَلَا نَكْبَةٌ إِلَّا وَضَعَ عَلَيْهَا الْحِنَّاءَ. وقد يتأثر لون البول من الصبغ بالحناء أو أكل الشمندر والزعفران وغيرها. علماً أن فحص البول قد روي عن مالك وعمر بن عبدالعزيز والزهري.
(٦) في الحديث إشارة جامعة إلى أصول العلاجات الثلاث: وهي إدخال مادة دوائية تواجه السموم وتسهل خروجها كالعسل. أو إخراج واستئصال السموم والمادة الفاسدة من الجسم كما في الحجامة. أو التأثير الخارجي على العضو المصاب بمؤثر يغير حالته كما في الكي. وفيه إشارةٌ إلى أن يؤخَّرَ العلاجَ بالكي حتى تَدفَع الضرورةُ إليه، ولا يعجل التداوي به لما فيه من استعجال الألم الشديد فى دفع ألمٍ قد يكون أضعفَ من ألم الكَيّ، ولِأَنَّ الْكَيَّ فِيهِ تَعْذِيبٌ بِالنَّارِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ، وَهُوَ اللهُ - عز وجل - وَلِأَنَّ الْكَيَّ يَبْقَى مِنْهُ أَثَرٌ فَاحِشٌ. وفي حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب أنهم لا يكتوون. قيل: كانوا في الجاهلية يكتوون وهم صحاح حتى لا يصيبهم المرض، وحمل بعضهم النهي عن الكي على ذلك. وكما جَاءَ النَّهْيُ عَنْ الْكَيِّ، فقد َجَاءَتْ الرُّخْصَةُ فِيهِ لِبَيَانِ جَوَازِهِ. وأجود الأعسال ما تغذى نحله على الأزهار وكان طيب الرائحة، حلو الطعم، صافي اللون كأقرب ما يكون إلى لون الذهب، لم يصبه ماء ولا رطوبة ولا نار ولا دخان، إذا صب امتدّ ولم يتقطع، وإذا قطر على الأرض استدار واجتمع إلى نفسه استدارة الزئبق ولم يتغبش ولم يختلط بالتراب، وإذا لطخ على فتيلة ثم أوقد فيها النار اشتعلت. لم يفلتر ولم يبستر، ولم يعرّض لضوء شمس أو ضوء شديد، أو حرارة تسخين أو غلي، ولم يحفظ في معدن أو حديد ذي صدأ أو في آنية رديئة. وقال عليه الصلاة والسلام لمن جاءه يشكو استطلاق (إسهال) بطن أخيه: (صَدَقَ اللهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ، اسْقِهِ عَسَلًا)، فَسَقَاهُ فَبَرَأَ. قَالَ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: عَلَيْكُمْ بِالشِّفَاءَيْنِ: الْعَسَلِ وَالْقُرْآنِ. وقال ابن القيم: "والعسل فيه منافعُ عظيمة، فإنه جلاءٌ للأوساخ التى فى العروق والأمعاء وغيرها، محلِّلٌ للرطوبات أكلاً وطِلاءً، نافعٌ للمشايخ وأصحابِ البلغم، ومَن كان مِزاجه بارداً رطباً، وهو مغّذٍّ ملين للطبيعة، حافِظ لِقُوَى المعاجين ولما استُودِع فيه، مُذْهِبٌ لكيفيات الأدوية الكريهة، منقٍّ للكبد والصدر، مُدِرٍّ للبول، موافقٌ للسعال الكائن عن البلغم. وإذا شُرِبَ حاراً بدُهن الورد؛ نفع من نهش الهوام، وشرب الأفيون، وإن شُرِبَ وحده ممزوجاً بماء؛ نفع من عضة الكَلْبِ الكَلِبِ، وأكلِ الفُطُرِ القتَّال، وإذا جُعِلَ فيه اللَّحمُ الطريّ؛ حَفِظَ طراوته ثلاثَةَ أشهر، وكذلك إن جُعِل فيه القِثَّاء، والخيارُ، والقرعُ، والباذنجان، ويحفظ كثيراً من الفاكهة ستة أشهر، ويحفظ جثة الموتى، ويُسمى الحافظَ الأمين. وإذ لطخ به البدن المقمل والشَّعر، قتل قَملَه وصِئْبانَه، وطوَّل الشَّعرَ، وحسَّنه، ونعَّمه، وإن اكتُحل به، جلا ظُلمة البصر، وإن استُنَّ به بيَّضَ الأسنان وصقَلها، وحَفِظَ صحتَها، وصحة اللِّثةِ، ويفتح أفواهَ العُروقِ، ويُدِرُّ الطَّمْثَ (الحيض)، ولعقُه على الريق يُذهب البلغم، ويَغسِلَ خَمْلَ المعدة، ويدفعُ الفضلات عنها، ويسخنها تسخيناً معتدلاً، ويفتح سُدَدَها، ويفعل ذلك بالكبد والكُلَى والمثانة، وهو أقلُّ ضرراً لسُدَد الكبد والطحال من كل حلو. وهو مع هذا كله مأمونُ الغائلة، قليلُ المضار، مُضِرٌ بالعرض للصفراويين، ودفعها بالخلِّ ونحوه، فيعودُ حينئذ نافعاً له جداً.
وهو غِذاء مع الأغذية، ودواء مع الأدوية، وشراب مع الأشربة، وحلو مع الحلوى، وطِلاء مع الأطلية، ومُفرِّح مع المفرِّحات، فما خُلِقَ لنا شئٌ فى معناه أفضلَ منه، ولا مثلَه، ولا قريباً منه، ولم يكن معوّلُ القدماء إلا عليه، وأكثرُ كتب القدماء لا ذِكر فيها للسكر ألبتة، ولا يعرفونه، فإنه حديثُ العهد حدث قريباً، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يشربه بالماء على الرِّيق، وفى ذلك سِرٌ بديع فى حفظ الصحة لا يُدركه إلا الفطن الفاضل" انتهى.
ويوصف الماء المغلي والعسل لأوجاع الخاصرة والكلية. وملعقة عسل صغيرة للطفل قبل النوم لمساعدته على عدم التبول أثناء النوم بالليل، أما لكبار السن فملعقة عسل مع الحليب الدافئ. وماء الشعير مع العسل لإخراج حصوات الكلى. ويعالج العسل كثيراً من الجروح والحروق دون ترك أثر بطلائه عليها.
(٧) (وَحَرَ الصَّدْرِ): مَا يَحْصُلُ فِي الْقَلْبِ مِنْ الْكُدُورَاتِ وَالْقَسْوَة، وَقِيلَ: الْحِقْدُ وَالْغَيْظُ، وَقِيلَ: أَشَدُّ الْغَضَبِ.
(٨) السواك بعود الأراك هو أفضل ما استيك به لأنه يفصح الكلام ويطلق اللسان ويطيب النكهة ويشهي الطعام وينقي الدماغ وأجود ما استعمل مبلولاً بماء الورد.
(٩) ضربة جبريل عليه السلام في الأرض لحفر بئر زمزم. قَالَ جَابِرُ:" أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ تُفْتَحَ مَكَّةُ إِلَى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو: أَنِ اهْدِ لَنَا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَلَا يَتِرُكَ"، قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِمَزَادَتَيْنِ.
(١٠) السام هو الموت. والحبة السوداء (الشونيز) هي من أفضل مقويات المناعة. ومن طرق استخدامها: أن تؤخد سبع حبات أو وتراً إلى إحدى وعشرين ثم تدق في خرقة، فإما تشم باستمرار أو تنقع في ماء ليلة ثم يقطر بها في الأنف. كما أن باحثين مصريين استخلصوا مركباً رائعاً من زيت الحبة السوداء وسموه نيجلّون Nigellone على شكل نقط أو أقراص.
(١١) السنا أو (السنامكي) نبات ينبت في مكة وفي غيرها، وهو مفيد جداً في تنقية الجسم من السموم، لكن الإكثار منه خطر جداً. وقيل أن السنوت هو: الشمر. وقيل: الشبت، وقيل: الكمون. وقيل غيرها. والأقرب إلى الصواب -والله أعلم- في معنى (السنوت): أنه العسل الذي يكون في زقاق السمن. ويدل عليه رواية: (ثَلَاثٌ فِيهُنَّ شِفاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السام: السنا والسنوت) فأشار إلى ثلاثة أدوية وذكر اثنين، فدل أن السنوت مركب من دوائين. واستعماله بأن يخلط السنا مدقوقاً بالعسل المخالط للسمن ثم يلعق فيكون أصلح من استعماله مفرداً لما في العسل والسمن من إصلاح السنا وإعانته على الإسهال.
(١٢) في رواية: (مَنْ أَكَلَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً مِمَّا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ عَلَى الرِّيقِ حِينَ يُصْبِحُ؛ لَمْ يَضُرَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ أَكَلَهَا حِينَ يُمْسِي؛ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يُصْبِحَ)، واللَّابَتَانِ: هُمَا الْحَرَّتَانِ، وَالْمَدِينَة بَيْن حَرَّتَيْنِ، وَ (الْحَرَّة): الْأَرْضُ الْمُلْبَسَةُ حِجَارَةً سَوْدَاءَ. وفي رواية: (فِي عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ أَوَّلَ الْبُكْرَةِ عَلَى الرِّيقِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ سِحْرٍ أَوْ سُمٍّ) والْعَالِيَة: مَا كَانَ مِنْ الْحَوَائِط مِنْ جِهَة الْمَدِينَة الْعُلْيَا مِمَّا يَلِي نَجْد، أَوْ السَّافِلَة مِنْ الْجِهَة الْأُخْرَى، مِمَّا يَلِي تِهَامَة، قَالَ الْقَاضِي: وَأَدْنَى الْعَالِيَة ثَلَاثَة أَمْيَال، وَأَبْعَدهَا ثَمَانِيَة مِنْ الْمَدِينَة. و (أَوَّلَ الْبُكْرَةِ) أَيْ: في الصباح الباكر. وجاء في رواية: (الْعَجْوَةُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَفِيهَا شِفَاءٌ مِنَ السُّمِّ). وتمر العجوة فيه شفاء من السموم. ومن طرق الاستشفاء به: أن تؤخذ من العجوة سبع تمرات فتدق بنواها ويدلك بها الموضع على البطن أو جهة القلب. وفي حديث: (خَيْرُ تَمَرَاتِكُمُ الْبَرْنِيُّ يُذْهِبُ الدَّاءَ، وَلَا دَاءَ فِيهِ) والبَرْنِيُّ: ضربٌ من التمر، أَحمرُ مُشْرَب بصُفْرة، كثير اللِّحاء، عَذْب الحَلاوة. والرطب عموماً مفيدة للحامل والنفساء، ومن لا تجد رطباً فتمر مبلول.
(١٣) قال الحليمي: " إنه صلى الله عليه وسلم قال في البقر ذلك ليُبْس الحجاز، ويبوسة لحم البقر منه، ورطوبة ألبانها وسمنها ".
(١٤) الكمأة وتسمى: (الفقع)، وتسميها العرب: نبات الرعد؛ لأنها تكثر بكثرته، وتنفطر عنها الأرض، وهي تشبه البطاطس وليس لها شجرة. وهي من أطعمة أهل البوادي، وتكثر بأرض العرب، وأجودها ما كانت أرضها رملية قليلة الماء. وقيل: سبب تكونها من اختلاط غاز احتراق البرق مع ماء المطر مع توافق مادة التربة. وللإفادة منها: تقشر وتسلق قليلاً ثم تعصر ويجمع ماؤها في قارورة ويكتحل به لشفاء العين، أو تشوى ويستقطر ماؤها. ويمكن عجن الإثمد بماء الكمأة لتعظيم الفائدة الشفائية.
(١٥) يفضل الاكتحال بالأثمد قبل النوم، والأفضل أن يضاف له قليل من المسك أو من ماء الكمأ. كما أن النظر إلى الخضرة وإلى الماء الجاري يقوي البصر. ولا تمس العين باليد مباشرة، وإنما تكون اليد مبلولة بالماء لتغسل العين.

<<  <   >  >>