للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[شفاعة المؤمنين في إخوانهم]

حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مُجَادَلَةُ أَحَدِكُمْ لِصَاحِبِهِ فِي الْحَقِّ يَكُونُ لَهُ فِي الدُّنْيَا، بِأَشَدَّ مُجَادَلَةً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِرَبِّهِمْ فِي إِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ أُدْخِلُوا النَّارَ؛ يَقُولُونَ: رَبَّنَا، إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَحُجُّونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَأَدْخَلْتَهُمْ النَّارَ. فَيَشْفَعُونَ وَيُخْرِجُونَ وَيَشْفَعُونَ وَيُخْرِجُونَ، وَيَشْفَعُونَ وَيُخْرِجُونَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً مِنْ إِيمَانٍ. يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بَعْدَمَا يُصِيبُهُمْ سَفْعٌ عُقُوبَةً بِذُنُوبٍ أَصَابُوهَا، ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ اللهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ وَشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ يُقَالُ لَهُمُ: الْجَهَنَّمِيُّونَ. إِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ مُضَرَ. إِنَّ الرَّجُلَ يَشْفَعُ لِلرَّجُلَيْنِ وَالثَلَاثةِ، وَالرَّجُلُ لِلرَّجُلِ. أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ، وَإِنَّ أَهْلَ النَّارِ الَّذِينَ يُرِيدُ اللهُ - عز وجل - إِخْرَاجَهُمْ، يُمِيتُهُمْ فِيهَا إِمَاتَةً، حَتَّى يَصِيرُوا فَحْمًا، حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللهُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَأَرَادَ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ وأَذِنَ بِالشَّفَاعَةِ فَقَالَ لَهُمْ: اذْهَبُوا فَأَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ مِنْهُمْ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بِصُوَرِهِمْ دَارَاتِ وُجُوهِهِمْ، لَا تَأكُلُ النَّارُ صُوَرَهُمْ وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأكُلُهُ النَّارُ، إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ. فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، مِنْهُم مَنْ أَخَذَتْهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُم مَنْ أَخَذَتْهُ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ، وَمِنْهُم مَنْ أَخَذَتْهُ النَّارُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُم مَنْ أَخَذَتْهُ النَّارُ إِلَى حُجْزَتِهِ (١) وَمِنْهُم مَنْ أَخَذَتْهُ النَّارُ إِلَى عُنُقِهِ، قَدْ امْتُحِشُوا (٢) وَعَادُوا حُمَمًا (٣)، فَيُخْرِجُونَ مِنْ النَّارِ خَلْقًا كَثِيرًا، فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ (٤)، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ (٥) فِي حَمِيلِ (٦) السَّيْلِ، أَلَا تَرَوْنَ مَا يَكُونُ مِنْ النَّبْتِ إِلَى الشَّمْسِ يَكُونُ أَخْضَرَ، وَمَا يَكُونُ إِلَى الظِّلِّ يَكُونُ أَصْفَرَ؟ أَلَمْ تَرَوْهَا كَيْفَ تَنْبُتُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً؟،


(١) الحجزة: معقد الإزار والسراويل.
(٢) أي: احترقوا، والمحش: احتراق الجلد وظهور العظم.
(٣) الحمم: جمع حممة، وهي الفحمة.
(٤) الضبائر: جماعات في تفرقة.
(٥) الحِبَّة -بكسر الحاء وتشديد الباء-، وجمعها: حِبَب -بكسر الحاء وفتح الباء المخففة- وهي: اسم لبذر العشب. وقيل: التشبيه لبياضها، وسرعة نباتها لأنها تنبت في يوم وليلة، وهو أسرع النبات.
(٦) الحميل: ما يجيء به السيل من طين أو غثاء وغيره.

<<  <   >  >>