للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إرسال هود عليه السلام إلى عاد

ثم بعث الله هوداً -عليه السلام- إلى عاد وهي قبيلة إِرَم بالأحقاف جنوب الجزيرة العربية، يدعوهم إلى التوحيد، وكانوا أشد الناس قوة، فذكرهم بالله ونعمه عليهم وأنه جعلهم خلفاء من بعد قوم نوح وخصَّهم بعظم الأجسام والقوة وشدة البطش وما أعطاهم الله من أنعام وأولاد وبساتين وعيونٍ جارية. ودعاهم إلى توحيد الله وشكره والإخلاص له. وأنكر عليهم أنهم كانوا يبنون بكل مكان مشرف مرتفع بنيانًا عَلَمًا عبثًا دون فائدة تعود عليهم. وأنهم يتخذون حصونًا وقصورًا كأنهم سيخلدون في الدنيا، وأنهم يسطون على غيرهم بالقتل أو الضرب سطوة جبارين من غير رأفة ولا رحمة. فكذبوه واتهموه بالجنون، فحذرهم من سخط الله وعقابه، وتحداهم جميعاً بآية معجزة وهي أن يكيدوه أو يلحقوا به الضر مع كل قوتهم لأن الله سيحفظه وهو أشد منهم قوة. فلما أصروا على تكذيبهم نجّى الله هوداً والذين آمنوا معه، وحل العذاب بقومه المكذبين فرأوا سحابًا معترضًا في جهة من السماء متجهًا لأوديتهم فظنوه سحاباً ممطرهم، وإنما كان العذاب الذي استعجلوه، ريحاً شديدة البرد قاسية ذات صوت مزعج، بلغت الغاية في القسوة عليهم. أرسلها الله عليهم مدة سبع ليالٍ وثمانية أيام تفنيهم عن بكرة أبيهم وتدمر كل شيء مرت عليه مما أمرها الله بإهلاكه، فأصبحوا هلكى مصروعين في الأرض كأنهم أصول نخل ساقطة بالية. لا يُرَى إلا بيوتهم التي كانوا يسكنونها. ونجى الله هوداً والذين آمنوا معه برحمته (١).


(١) جاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام: " نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وأُهْلِكَت عادٌ بالدَّبُور".
و (الصَّبَا) هي الريح التي تهب من مشرق الشمس ونصرته بها صلى الله عليه وسلم كانت يوم الخندق إذا أرسلها الله تعالى على الأحزاب باردة في ليلة شاتية فقلعت خيامهم وأطفأت نيرانهم وقلبت قدورهم وكان ذلك سبب رجوعهم وانهزامهم. و (الدَّبُور) هي الريح التي تهب من مغرب الشمس وبها كان هلاك قوم عاد كما قص علينا القرآن الكريم.

<<  <   >  >>